من يراهن على الخارج لتحقيق أهداف فى الداخل فأغلب الظن أنه سوف يفشل فشلا ذريعا!.
أقول ذلك، لأن العديد من المعارضين المصريين فى الداخل والخارج، راهنوا خلال الفترات الماضية على أحلام أو أوهام بأن يتدخل الخارج لإقناع الحكومة، بتغيير سياساتها بما يتماشى مع رغبات هؤلاء المعارضين.
نعرف أن جماعة الإخوان وأنصارها ألقوا بأنفسهم وبمستقبلهم فى حجر حكومات أجنبية مختلفة سواء كانت تركيا أو قطر، أو بعض الحكومات والأجهزة الغربية. وهم لا يدركون أن السياسات الدولية متغيرة، وأنه فى لحظة واحدة، قد يتغير كل شىء، والحكومة المختلفة مع الحكومة المصرية اليوم قد تضطرها ظروفها للتصالح معها غدا.
والسؤال هل فكر هؤلاء فى هذه اللحظة. أى أن يستيقظوا غدا فيجدوا أن الحكومة الأجنبية التى تأويهم قد تصالحت مع الحكومة المصرية، لأى سبب من الأسباب، علما أن السياسة لا تعرف التحجر أو الجمود، وما نعتقد أنه مستحيل اليوم قد يصبح ممكنا وجائزا غدا!
فى المؤتمر الصحفى بين الرئيسين الأمريكى دونالد ترامب والمصرى عبدالفتاح السيسى فى البيت الأبيض مساء الثلاثاء، سأل أحد الصحفيين الأمريكيين ترامب عن رأيه فى التعديلات الدستورية التى يناقشها مجلس النواب المصرى هذه الأيام.
ربما يكون طارح السؤال قد توقع أن يقدم ترامب إجابة تتحول إلى «خبر خبطة» فى وكالات الأنباء وعناوين الصحف، هو تصور ربما أن يتحدث ترامب بطريقة تسبب إحراجا للرئيس المصرى بمعنى أنه ضد هذه التعديلات أو يجيب بصورة غامضة توحى بوجود خلافات بين الجانبين.
المفاجأة أن إجابة ترامب جاءت على غير هوى السائل تماما، وقال نصا: «لا أعلم شيئا عن هذه التعديلات، لكن الرئيس السيسى يقوم بعمل شاق وعظيم فى مصر».
بالطبع يصعب تماما تصور ألا يكون هناك علم لرئيس أقوى دولة فى العالم عما يحدث فى دولة يقوم باستقبال رئيسها. المنطقى والطبيعى أن يكون قد تلقى ملخصا بأهم القضايا داخل بلد الضيف أو بين البلدين، والمؤكد أنه يعلم جيدا ومنذ فترة بقصة التعديلات وتداعياتها.
وبالتالى فأغلب الظن أن إجابة ترامب بهذه الطريقة، لا يمكن فهمها إلا أنها تصويت من ترامب بنعم فى صالح التعديلات الدستورية!!
أعرف بعض المثقفين والسياسيين المصريين الذين يراهنون ليل نهار على أن أوروبا وأمريكا، ستقوم بالعمل نيابة عنهم مع الحكومة المصرية، وتقنعها بتنفيذ كل مطالب هؤلاء السياسيين!!.
هؤلاء يراهنون فى كل مرة على الرؤساء والمسئولين الأجانب خلال زياراتهم لمصر، أو استقبالهم لمسئولين مصريين، على أن أجندة اللقاء سوف تتضمن فقط حقوق الإنسان والحريات بالمفهوم الغربى، وأن هذا المسئول الاجنبى لا هم له إلا تحقيق أجندة المعارضة المصرية.
للأسف الشديد هذه النوعية من السياسيين المصريين لا يريدون أن يفهموا أو يصدقوا أن الغرب والشرق والشمال والجنوب لا يشغله إلا مصالحه، حتى لو تعارضت مع كل الشعارات الجميلة التى يرفعها، وأغلب الظن أنهم حينما يتحدثون عن الحريات وحقوق الإنسان فإن ذلك يكون فى إطار تحقيق مصالحهم فقط!!
أمريكا تعارض تماما حكم الرئيس مادورو فى فنزويلا، وتدعم معارضه جوايدو، بحجة أن الأول ديكتاتور، والثانى ليبرالى ديمقراطى، فى حين أنها دعمت وتدعم مئات المستبدين الذين لا يعرفون معنى كلمة ديمقراطية وليبرالية وتعددية فى معظم أنحاء العالم، وهو ما تفعله أيضا أوروبا وروسيا وغالبية بلدان العالم.
لا أعرف متى سيتوقف بعض سياسيينا ومثقفينا عن الرهان على الخارج والاستقواء به، والاعتماد على أنفسهم وعلى الشعب فقط؟!
طبعا البعض سيسأل مستنكرا: وهل أتاحت الحكومة وأجهزتها أى هامش من الحركة أو الحرية، لكى نعمل ونعارض فى الداخل؟!
السؤال منطقى، لكن الإجابة بسيطة، وهى أن هناك نماذج كثيرة تعمل فى الداخل وتعارض الحكومة، وتقول كلمتها، وأفضل مثال على ذلك بعض النواب المعارضين فى مجلس النواب. هؤلاء وقفوا وتحدثوا وعارضوا هذه التعديلات تحت القبة، أو فى المنابر التى يستطيعون الحديث فيها، أو بالطرق السلمية مع مواطنيهم فى الدوائر أو عبر أى وسيلة متاحة.
أعرف أن الأمور ليست وردية، والتضييق على الحريات موجود، لكن الرهان على الخارج والاعتماد عليه، والاستقواء به، فشل فى الماضى، وسوف يفشل فى المستقبل.
الخارج لا يشغله إلا مصالحه وحينما يجد تغييرا فى الداخل، فهو يتعامل معه طبقا لمصالحه، وليس انطلاقا من المبادئ والثوابت والأخلاقيات.
بعد كل ما سبق، هل يتعلم هؤلاء هذا الدرس حتى لا يصدموا المرة تلو الأخرى؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع