بقلم: عماد الدين حسين
المدهش الحقيقى فى خطة ترامب بشأن تصوره لتسوية الصراع العربى الإسرائيلى، ليس انحيازها السافر لإسرائيل، ولكن فى اندهاش غالبية العرب منها، وكأنهم كانوا يتوقعون أن يتبنى الرئيس الأمريكى تصورات حركة حماس والجهاد، وربما داعش لحل القضية!.
من بين مزايا ترامب القليلة أنه صريح وواضح، بصورة تصل أحيانا إلى حد الفجاجة والفظاظة.
هو رجل يصعب تصور ردود فعله، لدرجة تدفع الكونجرس نفسه للشكوى منه بأنه يتخذ قرارات خطيرة من دون العودة إليه، مثلما فعل قبل أسابيع، حينما أمر باغتيال قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الايرانى قاسم سليمانى.
ورأيناه منذ انتخابه يتصرف بطريقة «الشيخ حسنى» فى «الكيت كات» حينما فضح كل أسرار جيرانه وأقاربه وزملائه. هو يتصرف بطريقة «الفتوة» مع الجميع من أول دول الخليج مرورا بالاتحاد الأوروبى واليابان وكوريا نهاية بحلف الأطلنطى، حينما يقول لهم: «ادفعوا أولا نظير أننا نقوم بحمايتكم». ورأيناه يتكلم بصورة مهينة عن حاكم عربى، بقوله: «قلت له لو تخلينا عن مساعدتكم، فسوف يسقط حكمكم خلال أيام، وبالتالى عليكم الدفع لنا»!.
ترامب لم يخدعنا، فهو حتى قبل انتخابه، كان شديد الوضوح، وقال سوف أنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، ونفذ تعهده بالفعل، وهو أمر لم ينفذه كل الرؤساء الأمريكيين السابقين منذ عشرات السنين.
وفى الشهور الأولى من حكمه قرر إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن، وبعدها توقفت إدارته عن تقديم المساعدة المالية للسلطة، وبعدها مباشرة قرر وقف مساهمة بلاده فى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
هو قال إن إدارته لن تقر أن الجولان السورى أرضا محتلة، وأعطى الضوء الأخضر لدولة الاحتلال الإسرائيلى كى تعلن ضم الهضبة السورية. ثم كانت خطوته الكارثية قبل شهور، حينما قال إن إدارته لا ترى أن المستوطنات الإسرائىلية فى الضفة الغربية مخالفة للقانون الدولى.
تلك هى الأفعال التى نفذها ترامب على أرض الواقع، لم تكن مجرد أقوال كما كان يفعل غالبية الرؤساء الأمريكيين الذين سبقوه.
نعلم جميعا أن القاسم المشترك بين الفريق المعاون لترامب، هو الانحياز التام والسافر لإسرائيل، خصوصا المجموعة التى تدير ملف العلاقات مع إسرائيل، من أول زوج ابنته جاريد كوشنر إلى مبعوثه للمنطقة جيسون جرينبلات نهاية بسفيره فى إسرائيل ديفيد فريدمان.
الثلاثة جميعهم يهود، وهو أمر لا غبار عليه، فاليهودية ديانة سماوية مثل الاسلام والمسيحية، لكن غير العادى أن يكونوا أكثر انحيازا لإسرائيل من بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلى اليهود أنفسهم!.
هناك شخصيات عامة إسرائيلية فى حركات مثل «ميرتس» أو «السلام الآن» أو «الخضر» أو كتاب ومثقفون، مواقفهم أكثر تفهما وتسامحا وقبولا للفلسطينيين من بعض أعضاء إدارة دونالد ترامب!!.
يفترض أننا كعرب نعرف هذا ونتابعه ونسمعه منذ أول يوم جاء ترامب إلى السلطة، بل وقبل مجيئه حينما كان مجرد مرشح للرئاسة.
بعد كل ذلك، لماذا يندهش بعضنا، ويتعامل مع الأمر وكأن ترامب كان عضوا فى حركة «القوميين العرب» أو فى «حركة الجهاد الاسلامى» وقام بخيانة قضيتنا المركزية فى فلسطين؟!.
أى مراقب متواضع وليس مسئول فى صنع القرار العربى، كان يدرك أن ما أعلنه ترامب قبل أسبوع بشأن صفقة القرن، تحصيل حاصل، وأمر معلن ومتوقع للجميع.
العرب صاروا ضعفاء للدرجة التى لا يكلف خصومهم أنفسهم عناء التآمر عليهم أو مفاجأتهم.
ما أعلنه ترامب، لم يكن مفاجئا بل إن انحياز بعض الحكومات العربية لما يسمى بخطة السلام أو صفقة القرن، ليس أيضا مفاجأة.. وربما تكون المفاجأة الحقيقية هى أن الشعب الفلسطينى سوف يتمكن إن شاء الله من إفشال هذه الخطة، مثلما فعل مع سابقاتها، إلى أن ينعدل ميزان القوى شديد الاختلال.