بقلم : عماد الدين حسين
سؤال: ماذا كان سيحدث لو كان لدينا أحزاب سياسية مدنية قوية هذه الأيام؟! وهل أدركنا، أو على الأقل، نبدأ إدراك خطورة ظاهرة اختفاء وشلل وقتل السياسة؟
ظنى أنه لو كانت هناك قوى سياسية مدنية شرعية فاعلة على الأرض، ما تمكنت بضع لجان إلكترونية فى الخارج وحسابات وهمية، من تحقيق كل هذه الضجة التى نتجت عن تظاهر المئات فى عدة محافظات ليلة الجمعة قبل الماضية.
استمرار ظاهرة غياب السياسة والسياسيين، هو الذى سمح لبعض الظواهر العشوائية بالاستحواذ على جزء لا بأس به من اهتمامات الناس. الأمر الذى يكشف لنا أن المواطنين لديهم أشواق عارمة للمشاركة فى عملية سياسية طبيعية، فى إطار القانون والدستور، لكنهم لا يجدون القنوات الرسمية لذلك.
ما ينبغى أن نتعلمه من أحداث الأسابيع الأخيرة، أنه فى اللحظة التى تختفى فيها الأحزاب الشرعية والجمعيات والمؤسسات الأهلية، التى تعبر عن اهتمامات الناس ومشاكلهم، فإن فرص ظهور جماعات وتنظيمات وكيانات متطرفة وشخصيات عشوائية أو «مصنوعة فى معامل أجهزة المخابرات الأجنبية»، أمر وارد إلى حد كبير، بل والأخطر هو زيادة إمكانية توجيه الجماهير العادية لمسارات غير مأمونة العواقب.
للموضوعية فإن موت السياسة، ليس مسئولية حكومات الرئيس السيسى فقط، هى حالة عامة نعيشها منذ سنوات طويلة، وحتى فى عصر حسنى مبارك الذى يتغنى به البعض الآن، فإن السياسة كانت ميتة عمليا، رغم وجودها الشكلى، كما هو حادث الآن بدرجة أقل.
فى عصر مبارك، كانت هناك لافتات حزبية براقة، وصحف حزبية مؤثرة جدا أكثر من أحزابها، وشهدنا قمة المأساة الحزبية، حينما قال أحد المرشحين ضد مبارك فى انتخابات الرئاسة الشهيرة، بعد تعديلات دستور ٢٠٠٧، إنه سيعطى صوته لمبارك وليس لنفسه!. ونتذكر أن النتيجة العملية لغياب تأثير هذه الأحزاب، أنها سقطت سقوطا مدويا فى انتخابات نهاية العام ٢٠١١ أمام تيار الإسلام السياسى، الذى كان متغلغلا وسط الناس لأسباب متعددة منها الخدمات المختلفة من زيت وسكر ومستوصفات طبية، إضافة لتأثير النفوذ الدينى.
بعد يناير ٢٠١١، شاهدنا ظهور مئات الأحزاب الرسمية أو تحت التأسيس، لكنها لم تتمكن من تحقيق نتائج معتبرة فى الانتخابات، والسبب أنها تحتاج لمناخ من الحرية، ولسنوات طويلة، كى يكون لها كوادر وقاعدة جماهيرية، وبالتالى الحصول على أصوات الناخبين.
جرائم نظام مبارك متعددة، لكن أخطرها أنه جرف الحياة السياسية، وسمح فقط لكائن هلامى اسمه «الحزب الوطنى»، بعضوية وصلت إلى ٢٫٨ مليون عضو على الورق، لكنه تلاشى يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، حتى أن سقوطه كان رمزيا أيضا باحتراق مقره الرئيسى على كورنيش النيل خلف المتحف المصرى، هذا التجريف لم يستفد منه إلا المتطرفون، لأن الأحزاب الحقيقية تعرضت للحصار المستمر.
صحيح أن إحدى نتائج ثورة ٣٠ يونيو، أنها حجمت كثيرا من دور الأحزاب المتطرفة، التى وظفت الدين لمصلحة السياسية، لكن فى المقابل لم نر أحزابا حقيقية على أرض الواقع، علما أن هناك أكثر من مائة حزب، لا يتذكر معظمنا أسماء عشرة أحزاب منها.
هل ضعف الأحزاب مسئولية أصحابها وقادتها فقط كما يعتقد الكثيرون؟!
للموضوعية الإجابة هى لا، نعم هم مسئولون بصورة أساسية، لكن الحكومة تتحمل أيضا قسطا كبيرا من المسئولية، لأنها لا تترك هذه الأحزاب، تمارس عملها بصورة طبيعية.
تحتاج الدولة لوجود أحزاب قوية ليس فقط للمنافسة فى الانتخابات، ولكن لتؤثر فى الجماهير فى وقت الجد.
تعالوا نتخيل وجود أحزاب مؤثرة هذه الأيام، التى يكثر فيها الجدال والخلاف، والعديد من الظواهر العشوائية، لا نعلم لماذا وكيف خرجت ومن يمولها؟!!.
لو كانت الأحزاب المدنية موجودة ما تمكن أى شخص عابر من التمدد فى فضاءات السوشيال ميديا، لو كانت الأحزاب موجودة، فإنها كانت ستوجه أنصارها فى الاتجاه الصحيح، وكانت سترشد من أى سياسات حكومية جامحة، وبالتالى لا تصل الأمور إلى «الحارات المسدودة».
أتمنى أن نعيد النظر ونفكر بصوت عالٍ فى ضرورة ضخ مزيد من الدماء فى شرايين الأحزاب السياسية المتيبسة، وكذلك منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى.
ببساطة فإن غياب الأحزاب والمجتمع المدنى، ليس له معنى إلا إعطاء هدايا مجانية للمتطرفين والإرهابيين والعشوائيين واكتساب أرضيات جماهيرية لا يستحقونها بالمرة.
والأخطر أننا فى هذه الحالة سندفع المواطنين العاديين لأحضان هذه المجموعات والتنظيمات والكيانات المسمومة.