توقيت القاهرة المحلي 20:07:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

خطورة غياب السياسة

  مصر اليوم -

خطورة غياب السياسة

بقلم : عماد الدين حسين

سؤال: ماذا كان سيحدث لو كان لدينا أحزاب سياسية مدنية قوية هذه الأيام؟! وهل أدركنا، أو على الأقل، نبدأ إدراك خطورة ظاهرة اختفاء وشلل وقتل السياسة؟
ظنى أنه لو كانت هناك قوى سياسية مدنية شرعية فاعلة على الأرض، ما تمكنت بضع لجان إلكترونية فى الخارج وحسابات وهمية، من تحقيق كل هذه الضجة التى نتجت عن تظاهر المئات فى عدة محافظات ليلة الجمعة قبل الماضية.
استمرار ظاهرة غياب السياسة والسياسيين، هو الذى سمح لبعض الظواهر العشوائية بالاستحواذ على جزء لا بأس به من اهتمامات الناس. الأمر الذى يكشف لنا أن المواطنين لديهم أشواق عارمة للمشاركة فى عملية سياسية طبيعية، فى إطار القانون والدستور، لكنهم لا يجدون القنوات الرسمية لذلك.
ما ينبغى أن نتعلمه من أحداث الأسابيع الأخيرة، أنه فى اللحظة التى تختفى فيها الأحزاب الشرعية والجمعيات والمؤسسات الأهلية، التى تعبر عن اهتمامات الناس ومشاكلهم، فإن فرص ظهور جماعات وتنظيمات وكيانات متطرفة وشخصيات عشوائية أو «مصنوعة فى معامل أجهزة المخابرات الأجنبية»، أمر وارد إلى حد كبير، بل والأخطر هو زيادة إمكانية توجيه الجماهير العادية لمسارات غير مأمونة العواقب.
للموضوعية فإن موت السياسة، ليس مسئولية حكومات الرئيس السيسى فقط، هى حالة عامة نعيشها منذ سنوات طويلة، وحتى فى عصر حسنى مبارك الذى يتغنى به البعض الآن، فإن السياسة كانت ميتة عمليا، رغم وجودها الشكلى، كما هو حادث الآن بدرجة أقل.
فى عصر مبارك، كانت هناك لافتات حزبية براقة، وصحف حزبية مؤثرة جدا أكثر من أحزابها، وشهدنا قمة المأساة الحزبية، حينما قال أحد المرشحين ضد مبارك فى انتخابات الرئاسة الشهيرة، بعد تعديلات دستور ٢٠٠٧، إنه سيعطى صوته لمبارك وليس لنفسه!. ونتذكر أن النتيجة العملية لغياب تأثير هذه الأحزاب، أنها سقطت سقوطا مدويا فى انتخابات نهاية العام ٢٠١١ أمام تيار الإسلام السياسى، الذى كان متغلغلا وسط الناس لأسباب متعددة منها الخدمات المختلفة من زيت وسكر ومستوصفات طبية، إضافة لتأثير النفوذ الدينى.
بعد يناير ٢٠١١، شاهدنا ظهور مئات الأحزاب الرسمية أو تحت التأسيس، لكنها لم تتمكن من تحقيق نتائج معتبرة فى الانتخابات، والسبب أنها تحتاج لمناخ من الحرية، ولسنوات طويلة، كى يكون لها كوادر وقاعدة جماهيرية، وبالتالى الحصول على أصوات الناخبين.
جرائم نظام مبارك متعددة، لكن أخطرها أنه جرف الحياة السياسية، وسمح فقط لكائن هلامى اسمه «الحزب الوطنى»، بعضوية وصلت إلى ٢٫٨ مليون عضو على الورق، لكنه تلاشى يوم ٢٨ يناير ٢٠١١، حتى أن سقوطه كان رمزيا أيضا باحتراق مقره الرئيسى على كورنيش النيل خلف المتحف المصرى، هذا التجريف لم يستفد منه إلا المتطرفون، لأن الأحزاب الحقيقية تعرضت للحصار المستمر.
صحيح أن إحدى نتائج ثورة ٣٠ يونيو، أنها حجمت كثيرا من دور الأحزاب المتطرفة، التى وظفت الدين لمصلحة السياسية، لكن فى المقابل لم نر أحزابا حقيقية على أرض الواقع، علما أن هناك أكثر من مائة حزب، لا يتذكر معظمنا أسماء عشرة أحزاب منها.
هل ضعف الأحزاب مسئولية أصحابها وقادتها فقط كما يعتقد الكثيرون؟!
للموضوعية الإجابة هى لا، نعم هم مسئولون بصورة أساسية، لكن الحكومة تتحمل أيضا قسطا كبيرا من المسئولية، لأنها لا تترك هذه الأحزاب، تمارس عملها بصورة طبيعية.
تحتاج الدولة لوجود أحزاب قوية ليس فقط للمنافسة فى الانتخابات، ولكن لتؤثر فى الجماهير فى وقت الجد.
تعالوا نتخيل وجود أحزاب مؤثرة هذه الأيام، التى يكثر فيها الجدال والخلاف، والعديد من الظواهر العشوائية، لا نعلم لماذا وكيف خرجت ومن يمولها؟!!.
لو كانت الأحزاب المدنية موجودة ما تمكن أى شخص عابر من التمدد فى فضاءات السوشيال ميديا، لو كانت الأحزاب موجودة، فإنها كانت ستوجه أنصارها فى الاتجاه الصحيح، وكانت سترشد من أى سياسات حكومية جامحة، وبالتالى لا تصل الأمور إلى «الحارات المسدودة».
أتمنى أن نعيد النظر ونفكر بصوت عالٍ فى ضرورة ضخ مزيد من الدماء فى شرايين الأحزاب السياسية المتيبسة، وكذلك منظمات ومؤسسات المجتمع المدنى.
ببساطة فإن غياب الأحزاب والمجتمع المدنى، ليس له معنى إلا إعطاء هدايا مجانية للمتطرفين والإرهابيين والعشوائيين واكتساب أرضيات جماهيرية لا يستحقونها بالمرة.
والأخطر أننا فى هذه الحالة سندفع المواطنين العاديين لأحضان هذه المجموعات والتنظيمات والكيانات المسمومة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خطورة غياب السياسة خطورة غياب السياسة



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 09:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يفتح آفاقا جديدة في علاج سرطان البنكرياس

GMT 08:28 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

غوتيريش يدعو مجموعة العشرين لبذل جهود قيادية لإنجاح كوب 29

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 01:54 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أغنياء المدينة ومدارس الفقراء

GMT 09:59 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

GMT 10:29 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

شريف مدكور يُعلن إصابته بفيروس يُصيب المناعة

GMT 12:37 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

طبيب الأهلي يعلن جاهزية الثلاثي المصاب للمباريات
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon