بقلم: عماد الدين حسين
إذا كنت تؤمن بشىء ثم اكتشفت أنه خطأ، أو بعض جوانبه خطأ.. فهل حينما تتوقف عن الإيمان به، تصبح متخليا ومنسحبا وخائنا وبلا مبدأ و«بعت القضية»؟!
كنت مؤمنا بثورة يوليو عام ١٩٥٢، وما زلت، لكننى أيضا وصلت إلى قناعة بأن بعض سياساتها وممارساتها كانت كارثية، فهل من العيب أن أعلن ذلك، أم أكتمه فى نفسى؟!
بعض زملائى وأصدقائى من أيام الشباب يعتبروننى غيرت أفكارى ومبادئى، لمجرد أننا أثناء النقاش، أعلن رفضى الواضح والصريح، لبعض ممارسات الثورة، وهم يفضلون أن أكتم ذلك ليظل بيننا فى الغرف المغلقة!!.
رأى هؤلاء الزملاء والأصدقاء أننى انقلبت على أفكارى وعلى كل ما أومن به.
أكتب عن هذا الموضوع، ليس لاستعرض جانب شخصى يخصنى، أو يخص بعض أصدقائى، ولكن لأن الموضوع مهم جدا، ويتعلق بحق الأجيال الجديدة فى المعرفة والفهم، والأهم هو كيفية إدارة النقاش والحوار على أسس صحيحة، حتى لا يتحول إلى حوار طرشان بكل معانى الكلمة!
فى مرحلة الثانوية والجامعة والسنوات العشر التى تلتها كنت أرى أن كل ما فعلته ثورة يوليو صواب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. لكن بالقراءة والممارسة والمقارنة والنظر إلى التجارب الشبيهة، اكتشفت أن هناك أخطاء يجب إعلانها وإدانتها والتخلص منها، حتى لا تتكرر فى ظروف أو تجارب أخرى سواء فى مصر أو المنطقة العربية.
رأيى الواضح هو أن ثورة يوليو كانت حتمية بالنظر إلى مجمل الظروف التى كانت تشهدها مصر قبل اندلاعها.
رأيى أيضا أن إنجازها الأكبر كان هو العدالة الاجتماعية، التى أنصفت غالبية الشعب. ورأيى أيضا أنها أعادت الاعتبار لدور مصر العربى والإفريقى، بل وأحيانا العالمى. خصوصا فى قضية استقلال القرار الوطنى.
هى جعلت كل المصريين يتلقون تعليما وعلاجا مجانيا، وشيدت الكثير من المشروعات الكبرى مثل السد العالى والحديد والصلب والغزل والنسيج. هذه إيجابيات مهمة جدا، ما كان يمكن أن تتحقق لولا قيام الثورة، إضافة إلى النهضة التى شهدتها قطاعات الثقافة والفنون والآداب.
لكن وآه من لكن، كان لهذه الثورة أخطاء قاتلة أدت إلى إجهاض غالبية إنجازاتها أو أفسدت نواياها الحسنة.
هذه الأخطاء تتحمل الثورة فقط مسئوليتها، وليس أى طرف آخر.
هى كانت تعرف أنها مستهدفة طوال الوقت من العديد من الأطراف وبالتالى لا يصح التحجج بأن الرجعية والصهيونية تحالفتا ضدها! إذا كان الأمر مصححا وهو صحيح فعلا، فلماذا لم يتم الاستعداد لذلك؟!!.
خطأ يوليو القاتل هو غياب الديمقراطية، هذا الخطأ قاد إلى أخطاء وخطايا كبرى، أدت فى النهاية إلى الانقلاب على معظم أهداف الثورة الأصلية نفسها.
حينما تم الاعتماد على أهل الثقة على حساب أهل الخبرة فى فترات مختلفة، كان ذلك يشبه نخر السوس فى الخشب.
أما الخطأ الذى لا يغتفر، فهو مجمل السياسات التى قادت إلى هزيمة ٥ يوليو ١٩٦٧، وقولا واحدا فإن الثورة وقائدها جمال عبدالناصر يتحملان المسئولية كاملة. وعلى الذين يتشككون فى هذا الأمر، أن يراجعوا ما قاله عبدالناصر فى اجتماعات مجلس الوزراء واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكى عقب الهزيمة، حيث قال نصا: «لقد أجرمنا فى حق هذا الشعب، ولا أعرف كيف صبر علينا، ولم يخرج ويضربنا بالجزم»!!!.
بعد ٦٧ أدرك ناصر عمق الأخطاء، وأقر بوضوح أنه لم يكن يسيطر على الجيش، ولم يكن قادرا على إقالة المشير عبدالحكيم عامر.
الديمقراطية ليست فقط مجرد أحزاب وانتخابات واستفتاءات. بل الأهم وجود قواعد وأسس للمحاسبة والمساءلة والشفافية التى تمنع تحول الأخطاء الصغيرة إلى سرطانات قاتلة.
كان عبدالناصر زعيما وطنيا مخلصا ونزيها وأمينا ومحبا لبلده ولأمته العربية، لكن الطريقة التى تم بها إدارة الدولة بعد أن استقر له الحكم قادت إلى الأخطاء القاتلة.
غياب الصحافة الحرة وحرية التعبير، لم يمكن عبدالناصر من رؤية مراكز القوى التى أساءت لمجمل التجربة.
المسألة باختصار أننا يجب أن نكون مع المبدأ وليس مع الشخص. يجب أن تكون لدينا مسطرة واضحة، نطبقها على الجميع. ولا أفهم حتى الآن كيف يمكن لأى شخص يدعى الناصرية أن يتهم الحكام الذى جاءوا بعد ناصر بأنهم أمموا الإعلام وكمموا الأفواه، ولا يرى أن ذلك بدأ واستقر وترعرع مع ثورة يوليو؟!. تحية كبيرة لثورة يوليو فى عيدها ولزعيمها الكبير عبدالناصر، وعلى كل محب حقيقى لها أن يقيمها يميزان العقل وليس فقط العاطفة، حتى لا نكرر نفس الأخطاء الآن.