يقول الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى خضم الصراع الحالى حاليا مع الولايات المتحدة: «إذا كانت الولايات المتحدة لديها الدولار، فإن لدينا الله». ويرد الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عليه بقوله: «لن نترك قسنا العظيم برانسون المسجون فى تركيا منذ عامين».
أردوغان وترامب يزعم كل واحد منهم أن الله معه، فأين هى الحقيقة، ومن المستفيد من جعل الصراع بين الجانبين يركز أكثر على الجانب الدينى؟!
أردوغان قال يوم الأحد الماضى: «تركيا كشفت المؤامرات وستتحداهم، لن تسكتوا صوت أذاننا، وإذا وجد الإيمان فى النفوس، توجد القدرة، وكم أحبط شعبنا بإيمانه من مخططات الغدر والمؤامرات».
بعدها بدقائق قال ترامب: «لن تستكين أمريكا فى التصدى لتركيا.. لديهم قس مسيحى رائع، أطلب منه أن يمثل بلدنا كرهينة وطنى عظيم، كان ينبغى أن يعيدوه إلينا منذ فترة طويلة، لن نقف مكتوفى الأيدى، وأنقرة لا تتصرف كصديق، بل استغلت الولايات المتحدة لسنوات. لن ندفع شيئا لقاء الإفراج عن رجل برىء، ولم نصل بعد إلى نهاية المطاف لكن سنخنق تركيا إذا لم تفرج عنه»!!!
تحدث كثيرون وعلقوا وكتبوا عن الصراع السياسى بين البلدين والزعيمين، والحرب الاقتصادية، التى أدت إلى تراجع حاد فى قيمة الليرة التركية زاد عن ٤٠٪، لكن لم يلتفت معظم هؤلاء إلى خطورة أن الرئيسين يعتقد كل واحد منهما أن الله معه وحده، وضد الآخر تماما، وأنه يقف فى الجانب الصحيح، وغيره فى الجانب الخطأ!!!
قد يسأل سائل: ومع من يقف الله فى مثل هذه النزاعات؟!!
فى مسألة الأديان والإيمان، يعتقد كل واحد منا، أن الله يقف معه وحده، سواء كان من أنصار أحد الأديان السماوية، أم العقائد الوضعية الأرضية. بل حتى أولئك الذين يعبدون الشجر والحجر والزواحف، لديهم يقين راسخ أنهم فى جانب الحق المبين وغيرهم فى الضلال الكبير!!
وبالطبع فكل منا يرى الله بالطريقة التى تريحه، وعلى حسب ديانته ومذهبه وطائفته وثقافته وعلمه وأخلاقه.
والمنطقى اننا سنعرف الحقيقة حينما نقف جميعا أمام الله يوم القيامة، علما بأن أكثر من نصف البشرية تقريبا لا يؤمنون بالله الذى نعرفه ونعبده.
وإلى أن يأتى يوم القيامة، فلا أعلم هل أردوغان وترامب مقتنعان فعلا بأن الله يقف معه، ضد الآخر، أم يدركان يقينا أنهما يستخدمان الدين لخداع البسطاء والعامة، باعتباره أسهل وسيلة لحشدهم فى هذا الصراع.
أردوغان حينما زار مصر فى أواخر عام ٢٠١١ نصح جماعة الإخوان بأن يلتزموا العلمانية، ولا نعلم هل وقتها كان صادقا أم ممثلا عظيما؟!!!. لأن الذى حدث أنه انقلب على ما كان يقوله طوال سنوات، وصار يتحدث باسم السماء!!
ترامب ليس بعيدا عن هذه الصورة. هو يمثل ويقود التيار اليمينى المحافظ والمتشدد، الذى يؤمن بضرورة نصرة إسرائيل ودعمها، وجمع كل اليهود فى فلسطين حتى يعود المسيح، وينتصر على الأشرار فى معركة هرمجدون!!!
ترامب كان عمليا وبراجماتيا فى كل القضايا باعتباره سمسار عقارات لا يؤمن الا بمنطق الصفقات، باستثناء موضوع إسرائيل، الذى تعامل معه، وكأنه صهيونى توراتى محافظ، ونقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة.
الغريب أن أردوغان الذى يتحدث عن المعركة بين الكفر والإيمان، ما يزال يحتفظ بعلاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وبلاده عضو فى حلف الأطلنطى، وأمريكا تستخدم قادعة انجرليك فى عملياتها العسكرية بالمنطقة.
لا يريد أردوغان وترامب الاعتراف بأن جوهر الصراع بينهما يدور حول قضايا مصلحية وليست دينية، مثل الدور التركى المنتظر فى المنطقة وعلاقة تركيا بكل من إيران وروسيا وإسرائيل ومستقبل سوريا، وبدلا من الجلوس والتفاوض حول صيغ عملية للخروج من هذه الأزمة، يهرب الاثنان إلى الأمام، ويستخدمان لغة شعبوية متطرفة تدغدغ مشاعر الدهماء والمتطرفين.
لكن حينما يزعم كل طرف أن الله معه وحده وضد الآخر، فهى وصفة سحرية تصب المزيد من الوقود فوق حريق مشتعل لا يحتاج أساسا إلى مزيد من الوقود. والرابح الأكبر فى مثل هذه المعارك هم المتطرفون فى العالم الإسلامى أمثال داعش. والمتطرفون الصهاينة الذين يريدونها صراعا دينيا يبرر أن الكيان الصهيونى هو الدولة القومية لليهود!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع