بقلم: عماد الدين حسين
عقب العدوان التركى الأخير على شمال شرق سوريا اندلعت معركة حامية الوطيس بين مواطنين عرب على وسائل التواصل الاجتماعى عنوانها أيهما أخطر: التهديد التركى أم الإيرانى؟!
الذى لفت نظرى للموضوع هو «بوست» كتبته أستاذة العلوم السياسية القديرة د. نيفين مسعد على صفحتها تقول فيه: «قلت ومازلت أكرر إن المشروع التوسعى التركى أخطر بكثير من المشروع التوسعى الإيرانى، نعم كلتاهما إمبراطوريتان سابقتان، لكن الخليفة التركى له تواصل مذهبى مع الأغلبية السنية فى المنطقة، بعكس المرشد الإيرانى، التغييرات المذهبية مقيتة جدا، لكنها للأسف تجسد الاستقطاب الحاصل فى المنطقة، تركيا تتمدد اليوم فى المنطقة، كما سبق لإيران أن تمددت، فى الأراضى العربية، ونحن العرب نتصرف بنفس الطريقة، نترك سوريا وحدها، كما سبق أن تركنا العراق وحده، ونتوقع من الأكراد أن يدافعوا عن أرضهم، وكأنها خارج حدود سوريا، بل منا من يبكى على الخروج الأمريكى، لأنه ترك الأكراد للأتراك، إنه بامتياز عصر ازدهار دول الجوار، التى لم تعد بدول جوار، بل صارت داخل بلادنا وفى عقر دارنا، واختلطت المفاهيم والسياسات ومصادر التهديد، أما خطر إسرائيل، فلم يعد يهم أحدا».
انتهت كلمات د. نيفين القليلة جدا، لكنها معبرة بعمق وفهم مستنير وواضح لجزء أساسى من حقيقة الأزمة الوجودية التى تعيشها المنطقة العربية.
ما يزيد من المأساة هو غالبية التعليقات على كلمات د. نيفين، حيث انقسم المعلقون الا قليلا لفريقين، أحدهما وهم الأغلبية يدافعون عن الأتراك وأردوغان، وبعضهم يدافع عن إيران، دون أن يلتفتوا إلى حقيقة المأساة، وهى أن الدولتين يلتهمان كل يوم المزيد من الأرض العربية ضما أو هيمنة.
غالبية أعضاء وأنصار جماعة الإخوان وبعض ما يسمى بقوى الإسلام السياسى، وتنظيمات متطرفة وإرهابية متنوعة ترى فى العدوان التركى على سوريا، «فتحا إسلاميا»، لأن فكرة الوطن لديهم غائبة أو غائمة. غالبيتهم لم يرحبوا فقط بالعدوان، بل إن إخوان سوريا وإرهابيها دخلوا على الدبابات التركية ويحاولون تنفيذ الخطة التركية للتغيير الديموغرافى بإحلال لاجئين عرب بدلا من السكان الأكراد.
لا يقل خطرا عن هؤلاء المتطرفين السنة، إلا المتطرفون الشيعة، الذين يرون فى إيران «الأخ الأكبر» وحامى حمى العقيدة والمذهب. هؤلاء مثلهم مثل المتطرفين السنة الذين لا يرون أن تركيا تسعى وراء مصالحها العثمانية، مثلما أن إيران تسعى وراء مصالحها الفارسية، والإثنان يستغلان المذهب لتحقيق هذا الهدف القومى.
للموضوعية، مثلما أن هناك سنة كثيرين معتدلين، هناك شيعة معتدلون، بدأوا يدركون متاجرة إيران والطبقة السياسية بهم، وانتفضوا ضدهم سواء فى العراق أو لبنان مؤخرا. وهذا تطور شديد الأهمية يكشف أن المتاجرة بالدين أو المذهب لا يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، خصوصا حينما يكتشف الناس أنها خديعة مستمرة على حساب معيشتهم.
السؤال: هل نلوم إيران وتركيا على نظرتهما التوسعية فى الأرض العربية؟!، أم نلوم أكثر غياب أى مشروع قومى عربى، أو الحد الأدنى من التنسيق، أو حتى وجود مشروعات قطرية وطنية متقدمة فى كل دولة عربية على حدة؟!
تعلمنا دائما أن الضعف فى السياسة، مثلما هو فى الحياة يغرى الآخرون بالاستقواء والتمدد، وبالتالى كان من المنطقى أن تتنمر كل من إيران وتركيا على المنطقة العربية، لدرجة أن أردوغان يبرر الآن تدخله الفج فى ليبيا باعتبارها «إرث أجداده»!!
نسينا أن البلطجة الإسرائيلية تمارس نفس الفعل فى المنطقة العربية منذ ١٩٤٨، بسبب انقساماتنا وتفرقنا وجهلنا، وصار بعض العرب يتحالف مع إسرائيل ليس ضد تركيا أو إيران، بل ضد بعض إخوته العرب، علما بأن تركيا وإيران تظلان دول جوار تاريخية، فى حين أن إسرائيل جسم غريب تم زرعه، عنوة فى الجسد العربى من أجل إفقاده مناعته طوال الوقت.
لم يعد خطر دول الجوار قاصرا فقط على إيران وتركيا وإسرائيل، بل امتد الآن إلى إثيوبيا، التى تهدد أكبر دولة عربية وهى مصر فى صميم وجودها وهى حقوقها المائية.
ولم يكن لإثيوبيا أن تفعل ذلك، لولا «الحال العربى المايل»، الذى وصل إلى درجة تشجيع بعض الدول العربية والإسلامية لأديس أبابا على مخططها لتعطيش مصر!
حينما نكون أقوياء تكون علاقاتنا مع دول الجوار جيدة وقائمة على توازن المصالح، وعندما نضعف سوف يقوم هذا الجوار بالبلطجة علينا، سواء تم بقفازات ناعمة ترتدى ثوب الدين أو المذهب أو الأخوة، أو بصورة خشنة عبر الدبابات والمدافع والغزو الفج، كما فعلت تركيا مؤخرا فى سوريا!. فهل من متنبه؟!