بقلم: عماد الدين حسين
فى ظنى الشخصى أن القرارات والتوجيهات التى أصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسى مساء الخميس الماضى بشأن إصلاح منظومة الأجور، والاتجاه لتنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن زيادة المعاشات، هى واحدة من أهم وأفضل القرارات شعبية التى اتخذها الرئيس والحكومة منذ فترة طويلة جدا.
لمن لم يتابع هذه التطورات، فإن الرئيس وعقب اجتماعه مع رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى وبعض الوزراء مساء الخميس الماضى، طلب من الحكومة سحب الاستشكال على الحكم البات والنهائى الصادر بشأن ضم ٨٠٪ من العلاوات الخمس الخاصة، غير المضمومة للأجر المتغير لأصحاب المعاشات. وكذلك إعداد دراسة لسداد مديونية أصحاب المعاشات بشكل تدريجى بدءا من يوليو المقبل على أن يتم سدادها على عدة أعوام. الرئيس طلب أيضا من الحكومة دراسة إصلاح منظومة الأجور، خلال شهر من الآن، والمتوقع طبقا لمصادر مطلعة كما نشرت «الشروق» يوم السبت الماضى، فإن تطبيق هذه المنظومة سيكون من بداية السنة المالية الجديدة فى يوليو المقبل.
وبما إننا لا نعلم بالضبط الشكل النهائى الذى ستنتهى عنده هذه التوجهات، والمبلغ المحدد الذى ستتم زيادته لأصحاب المعاشات المخاطبين بالحكم، أو شكل الهيكلة الجديد لأجور الموظفين، فإننا سنحاول أن نتكلم فى المعانى السياسية لهذه القرارات أو التوجهات الجديدة.
زميلى خالد سيد أحمد كتب فى «الشروق» يوم السبت الماضى مقالا بعنوان «عندما تأتى السياسة»، راصدا أن الحكومة بدأت أخيرا تتحرك بالسياسة بعدما اغفلت هذا العامل كثيرا بعد 30 يونيه 2013. وأتفق معه تماما، لأن «قرارات يوم الخميس» انطلقت من قراءة واقعية وحقيقية للشارع المصرى، وليس للأرقام والبيانات الصماء فى التقارير والإحصائيات.
نظريا أتفهم وجهة نظر الحكومة المصرية ــ ولا أقبلها ــ بشأن تلكؤها فى تنفيذ حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن ضرورة صرف علاوات المعاشات.
أكرر أتفهم ولا أقبل، لأن الحكومة تحاول عدم صرف «مليم أو قرش» بعيدا عن الموازنة العامة المتقشفة. هذا هو السبب الذى دفعها إلى معارضة الحكم، حينما صدر من محكمة القضاء الإدارى، لكن السياسة كانت تحتم عليها تنفيذ الحكم فورا حينما أيدته المحكمة الإدارية العليا، وعدم الاستشكال عليه، لأن الأمر هنا يتعلق باحترام أحكام القضاء أولا، وثانيا ــ وهو الأهم ــ أنها كادت تخسر كل أصحاب المعاشات وأسرهم وأقاربهم، بسبب الطريقة التى تصرفت بها.
مرة أخرى الحكومة حسبتها ماليا حينما عارضت الحكم، لأنها سوف تتكبد حوالي 60 مليار جنيه إذا نفذت الحكم حرفيا بدءا من عام 1987 كما يطالب رافعو الدعوي،اضافة الي مبلغ الزيادة السنوي ،الذي قد يصل الي 3 مليارات جنيه. لكن فى السياسة الأمر لا يتم بهذه الطريقة، لأن الخسارة السياسية قد تكون أضخم وأفدح، وتكلفتها لا تقدر بثمن.
الحكومة أصلحت الخطأ الكبير يوم الخميس، ويمكن القول إنها فى طريقها لاستعادة ثقة أصحاب المعاشات وهم ظهير سياسى تقليدى لها منذ سنوات.
فى مثل هذه القضايا لا يمكن حساب المسائل بالورقة والقلم فقط، أو أن تنفيذ هذا القرار سيكلفنى كذا مليار!!. صحيح أن الحسابات مهمة، وصحيح أكثر أن الشرط الرئيسى هو وجود موارد وإمكانيات لتمويل أى زيادة، لكن أيضا لا يعقل أن يتم الانفاق على بنود ومجالات كثيرة، وحينما يحصل أصحاب المعاشات على حكم نهائى وبات بضم العلاوات، فلم يكن ينبغى تضييع كل هذا الوقت، قبل أن يتخذ الرئيس قراره المهم بإصلاح هذا الخطأ.
يفترض ان الحكومة تعلم أن أصحاب المعاشات يدفعون الثمن الأكبر لعملية الإصلاح الاقتصادى. هم يحصلون على معاشات ضئيلة متوسطها نحو ألف جنيه تقريبا، وهو مبلغ لم يعد يكفى لأى شىء. وبالتالى فإنهم حلموا بتنفيذ الحكم القضائى. ثم أصيبوا بصدمة كبرى حينما استشكلت الحكومة على تنفيذ الحكم، والصورة التى وصلتهم، أن الحكومة مصرة على محاربتهم، وحتى لو كان ذلك غير صحيح، فإن الانطباع هو الأهم.
حسنا فعلت الحكومة، حينما سحبت الاستشكال، وحينما بدأت فى دراسة تطبيق الحكم، ورد أموال المعاشات عموما.
أتمنى أن تدرس الحكومة تكرار نموذج تعاملها مع أصحاب المعاشات على العديد من المشكلات الأخرى. لو حدث ذلك سيكون هناك أمل فى إمكانية التصدى للعشرات من المشكلات التى نظن أنها مستفحلة، وهى ليست كذلك!!