بقلم: عماد الدين حسين
هل هناك قرار دولى بتقسيم ليبيا إلى عدة دول أو أقاليم؟
هذا سؤال يردده كثيرون فى الأسابيع الأخيرة، خصوصا أن هناك أحداثا وتطورات كثيرة، يصعب تفسيرها بالمنطق الطبيعى؟!
قوات الجيش الوطنى الليبى بدأت فى أوائل إبريل من العام الماضى حملة لتوحيد كل ليبيا، وحققت نجاحات كبيرة، وحتى أسابيع قليلة مضت كانت تسيطر على أكثر من ٨٥٪ من الأراضى الليبية، على كل الشرق والجنوب والغرب، ولم يكن يتبق أمامها إلا قلب طرابلس.
فجأة خسر الجيش الوطنى كل مدن الغرب، وانسحب من ترهونة وجنوب طرابلس، وتمركز فى سرت.
السؤال: ما الذى حدث، كى يتراجع الجيش بهذه السهولة والسرعة؟!.
البداية كانت قبل نحو شهر حينما سربت أمريكا صورا لمقاتلين ولأسلحة خصوصا مقاتلات روسية فى ليبيا، قائلة إنها لن تقبل بالسيطرة الروسية على ليبيا.
ويوم الأحد قبل الماضى نشرت واشنطن بوست مقالا يتهم موسكو بالسعى لإقامة قواعد عسكرية فى ليبيا لتأمين المنطقة فى جنوب أوروبا، لكن التطور الأهم هو أن هذه المعلومات بثتها رسميا القيادة الأمريكية فى إفريقيا «أفريكوم»، بل ولوحت بأنها قد تنشر قوات فى تونس لمواجهة النفوذ الروسى فى ليبيا، وتلك كانت أوضح إشارة على التنسيق الأمريكى التركى فى ليبيا.
نتيجة لكل ذلك بدأت التقديرات والتسريبات غير الرسمية تقول إن القوى الكبرى الدولية والإقليمية المهتمة بالشأن الليبى وصلت إلى حالة من اليأس بشأن التوصل إلى حل سياسى شامل ومقبول فى إطار الدولة الواحدة، وبالتالى بدأت فى البحث عن مخرج.
جوهر هذا المخرج أو الاتفاق أن تعود الأمور إلى أوضاع ما قبل ٤ إبريل ٢٠١٩.
ضمن ما تسرب أيضا اتفاق روسى تركى يقضى بترك غرب ليبيا وطرابلس فى يد حكومة الوفاق، وترك الشرق حتى سرت فى يد حكومة حفتر، مع ترك الجنوب «فزان» فى يد القبائل الجهوية المختلفة.
وفى تقدير هؤلاء أن روسيا سحبت المقاتلين التابعين لوحدة «فاجنر» الذين كانوا يدعمون الجيش الوطنى فى مدن غرب ليبيا وجنوب العاصمة، خصوصا بعد توقف أو تعثر تمويلهم، الأمر الذى دعا الجيش للانسحاب من هذه المدن بسرعة، حتى لا يجد نفسه وحيدا فى مواجهة الدعم التركى غير المحدود للميليشيات الإرهابية.
ولكن لمن ستكون السيطرة على الهلال النفطى فى البريقة ورأس لانوف؟
هناك صراع محتدم عليها وهى الهدف الأساسى والأول لكل القوى المتصارعة خصوصا نظام أردوغان.
يقول البعض إنه سيتم تقسيمها بين الشرق والغرب والامتيازات ستذهب للشركات الفرنسية والروسية شرقا وللشركات الإيطالية والتركية والأمريكية غربا، لكن ذلك غير مضمون، خصوصا أن الميليشيات تقول أإن زحفها شرقا لن يتوقف. ويربط هؤلاء هذا المخطط بقيام حكومة فايز السراج برهن مقدرات النفط الليبى لصالح الشركات التركية؛ حيث تم توقيع اتفاقيات قبل أيام، تعطى تركيا الهيمنة الكاملة على كامل الاقتصاد الليبى من أول ودائع البنك المركزى نهاية بحقول النفط، مرورا بالحصول على تعويضات ضخمة تحت مبررات مختلفة.
هذا هو جوهر التسريبات، وأتمنى أن تكون غير صحيحة، لأنها لو صحت ستكون تهديدا خطيرا للأمن القومى المصرى والعربى، وحسنا بدأت القاهرة تتحرك من أجل حل سياسى شامل يحفظ ليبيا كدولة واحدة موحدة بجيش وطنى ومؤسسات شرعية بدلا من الميليشيات الإرهابية.
القاهرة نجحت فى مصالحة خليفة حفتر وعقيلة صالح بعد خلافات شديدة بينهما، وهناك تقديرات أن عواصم دولية كبرى تفضل أن يكون ممثل الشرق فى أى مفاوضات مقبلة هو صالح وليس حفتر.
ونجحت مصر أيضا فى إصدار إعلان القاهرة، يوم السبت الماضى، عواصم دولية وإقليمية كبرى أيدت المبادرة المصرية أو رحبت بها، أو لم تعارضها علنا كما فعلت تركيا وميلشياتها، تطبيق المبادرة على أرض الواقع، يحتاج جهدا دبلوماسيا كبيرا، خصوصا أن التناقضات فى الساحة الليبية والدولية شديدة.
بالطبع كل دولة كبرى تسعى للحصول على أكبر ثمن ممكن، ونتمنى لو تزيح كل المنافسين، وبالتالى هى صراع كبير، يحتاج إلى أدوات وآليات وأوراق ضغط كثيرة، كى تحقق مصالحك، لا يكفى فقط أن تملك الحق أو تسير طبقا للمبادئ، هذا جيد، لكنه لا يكفى لتحقيق المصالح الوطنية.
ختاما وإذا صحت كل هذه التسريبات أو التلميحات أو الخطط، فهى ليست قدرا محتوما، لكنها تتطلب أكبر قدر ممكن من التضامن العربى لوقف هذا المخطط، وقبل ذلك وبعده، أن يدرك الشعب الليبى خطورة ما يحاك ضده من خطط ومؤمرات خصوصا تلك التى تقودها تركيا.