توقيت القاهرة المحلي 06:46:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين الصحافة والطبيخ!

  مصر اليوم -

بين الصحافة والطبيخ

بقلم - عماد الدين حسين

قبل أسابيع قليلة وصلنى إعلان لمطعم جديد متخصص فقط فى «الأكل البيتى» بمنطقة الدقى والمهندسين، قرب مقر الشروق.

كثير منا يتلقى مثل هذا الإعلان يوميا، وهو فى المواصلات أو بعد خروجه من مساجد صلاة الجمعة، أو فى أى زمان ومكان. كل ما سبق ليس جديدا، فكثير من المصريين بدأ يحترف فكرة اعداد الوجبات المنزلية. هذا الأمر صار مألوفا منذ فترة، ويتوسع بصورة ملحوظة هذه الأيام، باعتبار أن غالبية المصريين يفضلون الأكل البيتى.

الجديد أننى عرفت أن القائمين على أمر المطعم الجديد زميلان صحفيان، قررا أن يتوقفا عن ممارسة المهنة، وأن يركزا على إعداد وجبات متنوعة فى المنزل، وتوصيلها لمن يرغب من الزبائن.

كل من سمع بحكاية «المطعم الصحفى» بدأ يناقش ويحلل الموضوع، والغالبية أرجعت خطوة الزميلين إلى الأوضاع الصعبة التى تعيشها مهنة الصحافة فى مصر والمنطقة هذه الأيام، سواء فى اقتصادياتها وصناعتها أو محتواها وهامش حريتها.

عندما وصلنى الإعلان عن المطعم الجديد، جربت واتصلت بالتليفونات الموجودة أسفل الإعلان. وكانت المفاجأة أن من قام بالرد على هو زميل صحفى عزيز، أعرفه جيدا، وأشهد أنه باحث مرموق وله كتابات متميزة فى مجاله، وكان حتى أيام قليلة مشرفا على بوابة إلكترونية متخصصة فى قضايا الفكر الدينى.

ولن أذكر اسمه لأننى أولا لم أستأذنه، وثانيا حتى لا يبدو الأمر إعلانا مجانيا للمطعم، ثم إن ما سأركز عليه فى السطور التالية أمر أبعد كثيرا من قصة المطعم.

هنأت الزميل وتمنيت له التوفيق، وحاولت أن أفهم منه ما الذى دفعه إلى هذه الخطوة التى تعتبر غريبة إلى حد ما، فقال لى بوضوح: «أنا لا أعانى من أى حصار أو تضييق إعلامى.. ولا يوجد لدى أى شعور بالمظلومية، وأحب وأعشق إعداد الأكل، وأرى أنه يقرب الناس من بعضهم البعض، ويجعل بينهم عيش وملح».

الزميل لم ينكر رغبته فى تحسين دخله من وراء هذه الخطوة. هو قال لى: «إنها تجربة وسوف يخوضها، ويقيمها، لكى يقرر هل تستمر أم لا».

طلبت من الزميل أن يرسل لى وجبة، لكى أساهم فى إنجاح مشروعه، فقال لى إن اليوم الأول شهد ارتباكا قليلا، لكنهم تمكنوا من توصيل كل الطلبات للزبائن.

انتهت المكالمة، ولم أعرف هل أشارك كثيرا من الزملاء سخريتهم من الموضوع، أم أقدر خطوة الزميلين اللذين قررا أن يخوضا تجربة جديدة، حتى لو كانت صادمة للكثيرين منا.

وفى النهاية حسمت أمرى بأنه من الخطأ التعامل مع أى تجربة أو مبادرة، بالتسفيه والتشويه والسخرية، من دون النظر لرغبة ورؤية أصحابها.

العلاقة بين الصحافة والطبيخ قوية جدا. وطوال الوقت نستخدم مصطلح «المطبخ الصحفى»، ونقول فلان فى المطبح يعنى متداخل بشكل كامل فى صناعة الاخبار.

ونقول أيضا أن «الطبخة شاطت» على الخبر أو القصة التى لم تكتمل أو انحرفت عن مسارها.
والقصة الجيدة المكتملة مثل «الطبخة الجيدة» فى جميع عناصرها.

لكن فى جوهر الأمر أيضا فإنه لا يمكن النظر لهذا الموضوع، الذى يراه البعض فكاهيا أو خفيفا، بمعزل عن الأوضاع التى تعيشها الصحافة المصرية هذه الأيام.

هل هناك مشاكل فى مهنة الصحافة المصرية هذه الأيام تدفع كثيرين للذهاب إلى مهن أخرى؟ الإجابة هى: نعم. وهى مشاكل بعضها صار وجوديا ويهدد صميم المهنة نتيجة الارتفاع الحاد فى أسعار مستلزمات إنتاج الصحف خصوصا الورق، ثم تراجع نسب الإعلان، وأخيرا التراجع الحاد فى محتوى الصحف، بالنظر إلى عدة عوامل منها تدهور المستوى المهنى، وتراجع هامش الحريات، خصوصا بعد صدور ثلاثة قوانين تنظم عمل الصحافة والإعلام.

هذه العوامل مجتمعة الاقتصادية والمهنية والتشريعية، جعلت العديد من الزملاء، يخسرون وظائفهم أو تنخفض رواتبهم، أو يحاولون البحث عن مهنة أخرى إذا وجدوها. وبالتالى فإن الصحافة المصرية تعيش الان واحدة من أصعب فتراتها، وتواجه تحديات حقيقية.

لكن لم أتخيل مطلقا أن يبدأ بعض الصحفيين فى الخروج من «المطبخ الصحفى» بمعناه المعنوى، إلى «المطبخ الحقيقى» بمعناه الأصلى. 

فى كل الأحوال خالص التوفيق للزميلين، ولكل من يفكر خارج الصندوق بدلا من الدخول فى الحالة الكافكاوية السوداوية المعروفة. ونتمنى أن يكون الزميلان آخر من يهجر مهنة الصحافة إلى الطبيخ!.

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الصحافة والطبيخ بين الصحافة والطبيخ



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon