بقلم: عماد الدين حسين
هل مقتل العراقى السامرائى إبراهيم عواد البدرى أو «أبوبكر البغدادى» زعيم تنظيم داعش بعملية أمريكية فجر الأحد الماضى، فى ريف ادلب السورية، يعنى أن هذا التنظيم قد انتهى أمره؟!
للأسف الإجابة هى لا، لأن هذه التنظيمات تقوم على الفكرة والإيديولوجيا، وليس على الشخص، مهما كان اسمه وتأثيره.
من يطالع وقائع التاريخ خصوصا فيما يتعلق بقادة مثل هذه التنظيمات فى كل الأفكار والقوميات والأديان، سيكتشف أن رحيل قادتها لم يؤثر فيها، واستمرت كما هى بوتيرة أقل أو أسرع حسب الظروف.
من منا يتذكر قادة الخوارج الذين خرجوا على الإمام على، كرم الله وجهه، ثم على غالبية خلفاء الدولة الإسلامية فيما بعد، جميعهم رحلوا، لكن فكرة الخروج على الدولة ظلت كما هى بمسميات مختلفة.
الأمر ليس قاصرا على التطرف فى العالم الإسلامى، لكنه وجد فى كل الأديان أيضا، وفى كل القوميات.
وأبرز مثال على ذلك هو ادولف هتلر الزعيم النازى فى ألمانيا، الذى صعد لحكم ألمانيا عام ١٩٣٣، وبدأ الحرب العالمية الثانية عام ١٩٣٩، واجتاح معظم دول أوروبا وقارات أخرى. حربه قتلت أكثر من ٥٠ مليون شخص. بعد هزيمته ثم انتحاره، ظن كثيرون أن النازية ماتت للأبد خصوصا فى ظل تجريم أفكارها دوليا. لكن ما حدث هو صعود خطير للأفكار النازية والعنصرية والشعبوية فى أماكن كثيرة بالعالم. الشعبويون القريبون من أفكار هتلر، يستحوذون على مساحات هائلة من المشهد السياسى فى أوروبا والعالم، ترامب مثلا صار رئيسا لأمريكا، وجايير بولسنارو صار رئيسا للبرازيل.
انتهى موسولينى وفاشيته فى إيطاليا مع نهاية هتلر، لكن الفاشية تصعد مرة أخرى، ومعاداة الأجانب والمهاجرين صارت هى القاسم المشترك الأكبر فى القارة الأوروبية، خصوصا فى ايطاليا وشرق اوروبا. وتاريخ الضربات الأمريكية لقادة التنظيمات المتطرفة ونتائجها خير دليل على توقعنا.
فى 7 يونيه 2006 قتلت القوات الأمريكية الاردنى احمد فضيل نزال الخلايلة أو «أبومصعب الزرقاوى» خلال عملية فى العراق، وكان يقود وقتها ما يسمى بتنظيم «التوحيد والجهاد» الذى تحول لاحقا إلى «قاعدة الجهاد فى بلاد الرافدين».
اعتقد البعض أن مقتل الزرقاوى سيعنى نهاية التنظيم، لكن الذى حدث أنه توسع واستقطب المزيد من الاتباع.
وفى عام ٢٠١٠ تم قتل أبوعمر البغدادى زعيم تنظيم القاعدة فى العراق، الذى انبثق عنه تنظيم «الدولة الإسلامية» وكل ما احتاجه التنظيم وقتها كان أربعة أشهر لإعادة تفعيل عملياته.
فى 2 مايو 2011 قتل زعيم ومؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بعملية أمريكية فى ولاية أبوت آباد الباكستانية، واعتقد كثيرون أن التنظيم انتهى، لكن ذلك أيضا لم يحدث.
قد يكون التنظيم تأثر إلى حد ما، لكنه استمر وما يزال فاعلا.
قبل كل هؤلاء قتل مؤسس جماعة الاخوان حسن البنا عام ١٩٤٩ لكن الجماعة استمرت وتوسعت. وتم إعدام الاخوانى السابق شكرى أحمد مصطفى قاتل وزير الأوقاف محمد الذهبى عام ١٩٧٧ لكن جماعات «التكفير» لم تتلاشَ.
تم إعدام خالد الإسلامبولى ورفاقه الذين اغتالوا الرئيس الأسبق أنور السادات فى ٦ أكتوبر ١٩٨١، وما رأيناه ان هذه الجماعات توحشت بعد أحكام الإعدام، وشنت حربا إرهابية ضارية ضد الدولة طوال حقبة التسعينيات، ورغم مراجعاتها إلا أن بعض قادتها عادوا لنفس الأفكار!!
فى مصر أيضا نجحت أجهزة الأمن فى توجيه ضربات موجعة للجماعات الإرهابية التى أعلنت حربا مفتوحة ليس فقط ضد أجهزة الأمن، بل ضد الدولة والمجتمع بأكمله بعد سقوط الاخوان فى 30 يونيه 2013، ورغم ذلك، لم تنتهِ هذه الجماعات، وما تزال قادرة على خداع بعض البسطاء وتجنيدهم.
تقول لنا تجارب التاريخ إن الجماعات والتنظيمات العقائدية والإيديولوجية، حتى لو كانت متطرفة وإرهابية، لا يمكن القضاء عليها بالسلاح فقط، بل بتقديم نماذج فكرية أكثر اعتدالا وجاذبية بديلا لنماذجها المتطرفة والأهم القضاء على البيئة التى تفرزها وتجعلها قادرة على الحياة.
داعش تنظيم متطرف وضد العقل السوى، وبالتالى نعود إلى السؤال الأهم، وهو ما الذى يدفع البعض للانضمام إلى مثل هذا التنظيم، إلا إذا كان بعض العرب والمسلمين قد وصلوا إلى حالة من البؤس واليأس وفقدان الأمل فى الغد، مما يجعلهم يقبلون الانضمام إلى مثل هكذا تنظيم؟!
قد يخبو داعش قليلا أو يضعف، بعد مقتل البغدادى، لكن القضاء على هذا التنظيم لن يكون إلا بالقضاء على البيئة والظروف التى أفرزته، وكما وصفت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلى فان: «مقتل البغدادى تقاعد مبكر لإرهابى، ولكن ليس لتنظيمه»!!