بقلم: عماد الدين حسين
قبل أيام قليلة تلقيت اتصالا هاتفيا من شخصية خليجية مقيمة فى مصر، يناقشنى فيما أكتبه عن سد النهضة الإثيوبى، ويسألنى بوضوح: لماذا لا تتحدث عن العلاقات الإثيوبية الخليجية، ولماذا لا تطلب مصر، بوضوح من الأشقاء الخليجيين، مزيدا من الضغوط على إثيوبيا حتى تعود لصوت العقل وتقبل باتفاق عادل لمصلحة الجميع؟!
هذه الشخصية تقيم فى مصر منذ عقود، وتتابع بدقة ودأب العلاقات المصرية الخليجية عموما، ومؤخرا بدأ يدقق فى تفاصيل ما قال إنه علاقات خليجية إثيوبية متنامية.
قلت للرجل إننى لا أملك معلومات دقيقة عن حجم التعاون، حتى أحكم بصورة صحيحة على السؤال.
فرد قائلا إن هناك أخبارا منشورة فى العديد من وسائل الإعلام العربية والعالمية، عن حجم الاستثمارات الخليجية الضخم، خصوصا استصلاح الأراضى بملايين الأفدنة، وهناك مسئولون خليجيون زاروا سد النهضة وبعض المستثمرين الخليجيين، يقوم بتزويد السد بالأسمنت، بل وأعلن تبرعه للمساهمة فى بناء السد، وهناك دول خليجية قدمت قروضا لأديس أبابا فى مجالات اقتصادية متعددة منها قطاع الطاقة.
وفى الأيام الأخيرة هناك نبرة عتاب شعبية مصرية من العديد من الأشقاء العرب، خصوصا فى الخليج، لأنهم لم يتحركوا بصورة فاعلة ومؤثرة لدعم مصر فى واحدة من أصعب المعارك والقضايا التى تواجهها ربما فى تاريخها الحديث.
انتهى كلام الشخصية الخليجية، وسؤالى هو: هل من حق الإخوة الخليجيين إقامة العلاقات والاستثمار فى إثيوبيا؟.
الإجابة هى طبعا. والسؤال لا يطرح أبدا بهذه الصيغة، لأن لمصر أيضا علاقات مع إثيوبيا، بل وهناك بعض الاستثمارات المصرية هناك قدرها البعض بأنها تصل إلى ٢ مليار دولار. بل وكانت هناك دعوات كثيرة فى السنوات العشر الماضية إلى زيادة الاستثمارات المصرية هناك، حتى تزيد علاقات التعاون، وتتغلب على هواجس وظنون إثيوبية كثيرة.
القضية ليست وجود علاقات واستثمارات خليجية فى إثيوبيا، بل كيف يمكن توظيف هذه المصالح فى دعم موقف مصر، فى قضية تمس وجودها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
نعلم تماما أن هناك حساسيات وتوترات بين العديد من الدول العربية، وحدثت العديد من هذه الحساسيات بين مصر وبعض الدول الشقيقة جدا. وبالمناسبة هذا أمر وارد جدا ويتكرر كثيرا بين كل الدول، لكن فى قضية مصيرية مثل حق مصر فى مياه النيل، يفترض أن تتلاشى كل الحساسيات وكل الخلافات.
إذا لم يدعم الأشقاء العرب عموما، والخليجيون خصوصا مصر فى هذه القضية فمتى يدعموها؟!
سيرد البعض ويقول: ولكن هل نسيت أن دولا خليجية مثل الإمارات والسعودية والبحرين أصدرت بيانات دعم وتأييد للموقف المصرى فى جامعة الدول العربية، وبعضها تحدث مع الحكومة الإثيوبية بشأن القضية؟!
لم أنسَ ذلك، وما فعلته دول الخليج خصوصا السعودية والإمارات والبحرين جيد ومهم، لكنه بأمانة لا يكفى. بيانات الدعم والتضامن والشجب والإدانة قد تكون مفيدة فى قضايا كبيرة «لتسديد الخانات أو تستيف الأوراق»، لكنها ليست مفيدة مطلقا فى هذه القضية. قد نقبلها من دول بعيدة عنا، لكنها لا تكفى من الأشقاء. وقد تكون بعض الدول تحدثت مع إثيوبيا، لكن ماذا كانت النتيجة، وبأى صيغة أو نبرة تم الحديث؟!.
المسألة باختصار ليست فقط عواطف وحماسة قومية، بل هى فى صميم الأمن القومى العربى. إثيوبيا تريد تعطيش مصر. وإذا نجحت فى ذلك ــ لا قدر الله ــ فإن كل العالم العربى سيتأثر سلبا، وبالتالى وحينما يتضامن العرب مع مصر فى هذه القضية، فهم يتضامون فعليا مع أنفسهم.
يستطيع الأشقاء الخليجيون أن يقولوا لإثيوبيا رسالة بسيطة وهى أن «الإصرار على تعطيش مصر، سوف نقابله بسحب الاستثمارات، والودائع الخليجية من إثيوبيا، بل وقد نقطع معكم العلاقات كلها، وسوف نستخدم كل علاقاتنا الدولية لدعم موقفى مصر والسودان».
إذا استمعت أديس أبابا لمثل هذه الرسالة إضافة لرسائل أخرى من قوى إقليمية ودولية، فالمؤكد أنها ستفكر ألف مرة، قبل أن تقدم على الإضرار بحق مصر فى الحياة.