بقلم: عماد الدين حسين
يوم الثلاثاء قبل الماضى قالت انييس كالامار مقررة الأمم المتحدة المعنية بجرائم القتل والإعدام خارج نطاق القانون، إن قيام الولايات المتحدة بقتل قائد الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى فى ٣ يناير الماضى فى بغداد غير قانونى وانتهاك للقانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة.
لكن الخارجية الأمريكية اعتبرت تقرير كالامارد مغرضا ومضجرا وتلميعا لصورة أخطر إرهابى ويقوض حقوق الإنسان بإعطائه ترخيصا لإرهابيين، ويثبت أن واشنطن كانت على حق بانسحابها من مجلس حقوق الإنسان قبل عامين.
ظنى أن كلام المقررة الأممية مهم من الناحية المعنوية والقانونية، لكنه غير قابل للترجمة على أرض الواقع حيث الاحتكام للغة القوة فقط.
لا أدافع عن سليمانى، ورأيى أنه مسئول عن العديد من الكوارث فى المنطقة العربية، مثلما أن الولايات المتحدة وإسرائيل مسئولتان أيضا.
نعيش الآن شريعة الغاب التى تحكم العالم، بحيث أن أمريكا حينما تقتل أى شخص أو زعيم أو مسئول أجنبى خارج القانون، لا يمكن أن ينالها أى عقاب باستثناء شجب أو إدانة أو إصدار بيان، لكن عندما تقوم دولة أخرى صغيرة بنفس الفعل، أو حتى تتهم به من دون أن تكون قد فعلت شيئا فإن القوى الكبرى تنصب لها المحاكمات وتصدر ضدها القرارات من الفصل السابع، بل ويتم غزوها واحتلالها وتدميرها.
قتل أمريكا لسليمانى، يعتبره كثيرون عملا بطوليا، بل ويتحول لاحقا إلى عمل سينمائى يمجد البطولة الأمريكية.
لكن حينما يصدر نفس الفعل من جانب دولة ضعيفة، حتى لو كانت تدافع عن نفسها، فقد تتعرض لأشد أنواع العقوبات.
لا أقلل من دور الأمم المتحدة، ولكن أتساءل: ما هى القيمة العملية لما أعلنته كالامار؟. أخشى أن تكون الإجابة هى: لا شىء.
الأمم المتحدة، بل ومجلس الأمن أصدر قرارات كثيرة واجبة النفاذ لمصلحة الشعب الفلسطينى والعديد من الشعوب العربية فى مواجهة البلطجة الإسرائيلية منذ النكبة فى مايو ١٩٤٨، حتى اليوم لكن لم يتم تنفيذ حرف واحد منها.
ارتكبت إسرائيل كل أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطينى والشعوب العربية، لكن مئات وربما آلاف بيانات الشجب والإدانة وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن لم تستطع أن توقف هذه البلطجة.
حينما قتلت أمريكا سليمانى، فإن إيران ردت بصورة أقرب إلى «المسرحية»، وقصفت قاعدة الأسد الجوية فى العراق، التى تتواجد فيها قوات أمريكية، وقيل وقتها إن الضربة كانت مبرمجة، بحيث تستطيع طهران أن تقول لشعبها إننا انتقمنا، وفى نفس الوقت لا تدفع أمريكا ثمنا حقيقيا.
وفى ٢٩ يونيه الماضى أصدرت إيران مذكرة اعتقال دولية بحق الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وطلبت من الإنتربول المساعدة فى اعتقاله بتهمة قتل سليمانى، وبالطبع الكل يعلم أن القرار لن ينفذ، لأن موازين القوى لا تسمح به.
الأمثلة على «شريعة الغاب» فى العلاقات الدولية أكثر من أن تحصى، وللأمانة فهى ليست قاصرة فقط على أمريكا وروسيا، غالبية الدول الكبرى عالميا وإقليميا، تفعل ذلك. ونتذكر حينما خطفت الولايات المتحدة رئيس بنما مانويل أورييجا بتهمة تجارة المخدرات من بلده، ومحاكمته فى أمريكا، وحينما شجعت الانقسامات فى فنزويلات وبوليفيا وقبلها كوبا وفى كل دولة لا تقبل بالهيمنة الأمريكية بل تحاول إجبار غالبية بلدان العالم على توقيع اتفاقيات معها لمنع محاكمة الجنود الأمريكيين بتهم تتعلق بجرائم الخرب خصوصا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وللأمانة فإن روسيا والصين تفعلان نفس الأمر، فى محيطهما.
لكن ما هو الهدف من كل السطور السابقة، إذا كانت البلطجة موجودة منذ خلق الله الأرض وحتى تقوم الساعة؟.
الهدف باختصار أن نتعامل نحن فى مصر، مع المشاكل والأزمات الإقليمية والدولية بمنطق عملى. نعم من الجيد أن نتمسك بالمبادئ والمثل العليا، لكن علينا أن ندرك أن القوة هى التى تحسم الأمور فى العلاقات الدولية وليس المبادئ والمثل، أو حتى مواثيق الأمم المتحدة.
لا أقصد فقط القوة العسكرية، ولكن القوة الشاملة التى تضم القوات المسلحة والقدرات المختلفة للدولة من اقتصاد ودبلوماسية وإعلام وتوافق وطنى.
الرسالة التى تريد أن تبعث بها الولايات المتحدة وإسرائيل وسائر القوى الكبرى أن البقاء للأقوى. والجديد أن تركيا وإيران وإثيوبيا، تريد أن تتعامل مع المنطقة العربية باعتبارهم قوى عظمى، ونحن الدولة المريضة فى العالم.
عند لحظة معينة لابد أن تظهر قوتك للآخرين حتى تكف أذاهم عنك، وحينما تكون قويا فإن الجميع يخشاك دائما بل ويحترمك والعكس صحيح.