فى العاشرة والنصف من صباح يوم السبت الماضى ذهبت إلى مدرسة الشهيد عبدالحافظ، بشارع الرشيدى بين قصر العينى ومستشفى أبوالريش، للمشاركة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية. كانت معى زوجتى نهال لطفى وابنى الأكبر إياد الذى أتم الثامنة عشرة منذ شهرين. كنت أعتقد أن الأجواء ستكون هادئة، لكى ندلى بأصواتنا وينصرف كل منا إلى حال سبيله. كان هناك رجال ونساء من أعمار مختلفة يتحلقون حول بوابة المدرسة، التى كان يحرسها رجال القوات المسلحة ومعهم رجال الشرطة.
النظام كان مختلا للأسف، والزحام بصورة عشوائية. وضابط القوات المسلحة بذل جهدا كبيرا لإقناع المواطنين بالانتظام فى طابورين الأول للرجال والثانى للسيدات.
وقفنا لفترة فى الطابور، لكن الحركة كانت بطيئة، والزحام يشتد. اتخذنا قرارا بالمغادرة، والعودة فى وقت لاحق، حتى أستطيع الذهاب إلى عملى «الشروق».
كانت مفاجأة كبيرة بالنسبة لى، وجود هذا الزحام، باعتبار أن موضوع التعديلات الدستورية ليس قضية جماهيرية تشغل الكثيرين، مثل الانتخابات النيابية، أو الرئاسية المرتبطة بالأشخاص، فى حين أن التعديلات الدستورية موضوع نخبوى بطبعه، يهتم به السياسيون والمثقفون بالأساس، ويركز على المبادئ والأفكار.
الناخبون الذين كانوا يقفون أمام المدرسة يصعب تصنيفهم. الرجال والنساء من مختلف الأعمار، ويبدو عليهم أن معظمهم من أبناء منطقة السيدة زينب. فى حين كان هناك بضعة أشخاص يقفون بعيدا عن الطابور، ويهمهمون بعبارات غامضة، قال البعض إنها تتحدث عن دفع أموال مقابل التصويت، حاولت التحقق من الأمر، لكن فشلت.
غادرت اللجنة بسبب الزحام، وبعدها بعدة أمتار كانت هناك لجنة مدرسة «قصر الدوبارة» بشارع قصر العينى قرب دار الشعب. الزحام كان أكبر نوعا ما من لجنة الشهيد عبدالحافظ.
وطابور الناخبين أطول، لكن الملاحظة الأساسية هى أن الأجواء الاحتفالية كانت أكثر وضوحا. أتوبيس بدورين يحمل عشرات الشباب الذين يرتدون «تيشيرتات» مكتوبا عليها «تحيا مصر»، و«نعم للتعديلات الدستورية».. الموسيقى الاحتفالية كانت ملحوظة والشباب يغنون، وبعضهم يرقصون عليها. وفى شارع التحرير، عند التقاطع مع شارع محيى الدين أبوالعز بالدقى كان المشهد متكررا فى مدرسة الشهيد عامر عبدالمقصود. الزحام والحضور الكبير والأجواء الاحتفالية والموسيقى العالية.
الملاحظة الأساسية التى شاهدتها وسمعتها من زملائى فى «الشروق» أنه جرى إعداد مشهد البداية جيدا. من الواضح أن الأحزاب والنواب والهيئات والمؤسسات قد لعبت دورا كبيرا فى حشد وتعبئة المواطنين للمشاركة فى الاستفتاء. كانت هناك أيضا مجموعات شبابية منظمة للترحيب بالناخبين، وإشاعة أجواء من الفرحة خارج اللجان. نتيجة لهذا الأسلوب، بدا واضحا أن غالبية اللجان شهدت حشدا من البداية، مما أعطى زخما لاحقا، حتى لا يستطيع أحد لاحقا المجادلة بأن هناك إقبالا ملحوظا على التصويت.
ثم أنه يبدو أن العديد من نجوم الفن والرياضة والسياسة والمجتمع، حرصوا على المشاركة والإدلاء بأصواتهم، مما ساهم فى زيادة الإقناع بأن هناك مشاركة ملحوظة. وفى المقابل لم يتم ملاحظة أى آثار لحملات المقاطعة التى انطلقت على استحياء على السوشيال ميديا، لكن جرى محاصرتها فى مهدها بوسائل مختلفة.
عدت إلى بيتى مساء، ومنه سرت مشيا إلى اللجنة مرة أخرى. دخلتها فى الثامنة مساء. الأجواء فى اللجنة كانت هادئة جدا، مقارنة بالصباح. الحضور لم يكن كبيرا. استغرقت خمس دقائق فى الإدلاء بصوتى. سألت رئيس اللجنة رقم ٦، عن حجم الحضور فى اليوم الأول، فقال إنه كبير وفاق توقعاته، وعندما طلبت منه التوضيح أكثر، قال إن حوالى ثلث الناخبين قد أدلى بصوته.
بالطبع كل ما سبق مجرد انطباعات سريعة، لكن الاساس هو ما ستعلنه الهيئة الوطنية للانتخابات فى النتائج الرسمية، حتى نعرف بالضبط، حقيقة الإقبال ونسبة المشاركة الفعلية، وهل ما رأيناه أمام اللجان من الأغانى والرقص والفرحة، تمكن فعلا من ترجمة هذه المظاهر الاحتفالية إلى أصوات ملموسة فى الصناديق أم لا؟
غمست إصبعى فى الحبر الفوسفورى الأحمر، وغادرت اللجنة، وفى طريقى للبيت، مررت للمرة الثانية على لجنة قصر الدوبارة. كان الحضور أهدأ قليلا، لكن الأجواء الاحتفالية كانت قوية مثلما كانت فى الصباح.