بقلم: عماد الدين حسين
أحد الأصدقاء سألنى باستغراب شديد: لماذا توقفت عن الكتابة فى السياسة، وبدأت تكتب فقط عن كرة القدم وسما المصرى ومعاهد وكليات التمريض وتنسيق الجامعات والسوشيال ميديا وعمرو وردة، وفيلم الممر؟!!
السؤال يبدو منطقيا، لكنه فى النهاية غير صحيح، والسبب ببساطة أن كل شىء فى المجتمع هو سياسة، وفى هذه الأيام تحديدا لم يعد ممكنا التوهم بأن السياسة بعيدة عن أى مجال من مجالات حياتنا من الرياضة إلى الفن مرورا بأى مجال.
لو أن السائل يقصد أو يريد التدليل على أن مساحة الحريات عموما والإعلامية خصوصا قد تراجعت وتقلصت، فأنا أتفق معه تماما، أما إذا كان يقصد أن الفن والرياضة والتعليم، ليس من السياسة، فقد أخطأ تماما.
للأمانة والموضوعية، فإن الصديق السائل ليس وحده من يعتقد ذلك. كثيرون يعتقدون أن السياسة لا تعنى إلا الحديث عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء وكبار المسئولين، وقادة الأحزاب، وأن يكون هذا الحديث مقترنا دائما بالحديث عن السلبيات، وأما ما عدا ذلك فهو هروب من الميدان ومن المواجهة.
هذا اعتقاد ساذج وسطحى وحان الوقت لتصحيحه. حينما أكتب أنا أو غيرى عن ارتفاع نسبة القبول فى معهد التمريض إلى ٨٩٪ مقارنة بـ٧٣٪ فى الثانوية العامة، فذلك من صميم السياسة.
فمناقشة وإصلاح التعليم، خصوصا الفنى هو ما يحتاجه المجتمع أمس واليوم وغدا.
وحينما أكتب أربع مقالات متتالية عن عمرو وردة وفعلته المشينة، فليس ذلك هروبا من السياسة بمعناها الضيق، بل مناقشة لقضية تهم أخلاق وقيم المجتمع بأكمله، بعد أن صارت كرة القدم حديث الجميع، الكبار والصغار، وصارت عنوانا للتنافس الفردى والمجتمعى والدولى.
وحينما أكتب عن سما المصرى وأنها ليست السبب فى وكسة منتخبنا الكروى، فلم يكن ذلك تضييعا للوقت، بل دعوة صادقة للجميع، أن يناقشوا الأسباب الحقيقية للخروج المبكر من بطولة الأمم الإفريقية التى تنظمها مصر، بدلا من إلقاء اللوم على سما المصرى، الذى يمكن انتقادها فى ممارسات أخرى ليس من بينها انهيار مستوى فريقنا فنيا!!!
وحينما أكتب عن فيلم «الممر»، فليس ذلك هروبا من السياسة، بل هو من صميم السياسة. ودعوة إلى جميع الأسر كى تصطحب أولادها لمشاهدة هذا الفيلم الذى يرسخ الروح والقيم الوطنية، ويقول للشباب إن عدوهم الحقيقى اسمه إسرائيل، وبقية الأعداء مجرد فروع وهوامش سيتم الانتصار عليهم اليوم أو غدا.
وحينما أكتب عن الضغوط الشديدة والأزمات التى تحاصر مهنة الصحافة والإعلام فى مصر. فذلك هو جوهر السياسة. كتبت عشرات المقالات عن هذا الموضوع. سواء عن الأزمة التى تواجهها صناعة الصحافة والإعلام، أو تراجع المحتوى، وانتقدت بصورة لا لبس فيها التضييق الذى تتعرض له المهنة.
مرة أخرى يعتقد البعض أن السياسة تعنى الأحزاب وللأسف، ذلك ليس صحيحا فى الشكل، ثم إنه حتى فى المضمون، فلا توجد لدينا أحزاب سياسية فاعلة ولها قواعد جماهيرية، لأسباب يطول شرحها، وبالتالى فالكتابة عن هذا الموضوع «ضحك على دقون القراء».
الحديث بجدية عن موضوعات التعليم المختلفة أو التأمين الصحى مثلا، أهم مليار مرة من أى حديث عن هذا الحزب أو ذاك. هى موضوعات تهم القراء فعلا وتمس حياتهم فى كل لحظة. إضافة لقضايا كثيرة مثل «من يستحق الدعم؟» أو حقيقة دعم الوقود وتأثيره على الاقتصاد المصرى، ومن الذى يفترض أن يتحمل العبء الكبير لعملية الإصلاح الاقتصادى؟!
للأسف، ما يزال البعض يعتقد أن السياسة هى أن تسب وتلعن وتنتقد هذا المسئول أو ذاك وإذا لم تفعل ذلك، فأنت منافق أو منبطح!!
لا أؤمن بالصراخ أو الصوت العالى، وأفضّل مناقشة أى موضوع بهدوء وموضوعية وشمولية. أريد أن أكسب احترام نفسى أولا ثم احترام القراء وليس رضاهم.
مرة أخرى كل شىء نكتبه ونعيشه هو سياسة فى سياسة، المهم كيف يكون التناول وهل هو صادق أم مزيف وموضوعى أم مغرض؟!