بقلم: عماد الدين حسين
سأترك مقالى اليوم للدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولى العام، والباحث والخبير المرموق فى القانون الدولى.
كلمات الدكتور سلامة توضح بجلاء أن كل ما تزعمه إثيوبيا بشأن حقها فى ملء سد النهضة حتى بغير اتفاق مع مصر والسودان، لا يستند إلى أى أساس.
والى نص ما كتبه الدكتور أيمن سلامة:
الفاضل الأستاذ عماد حسين:
إذ أهديكم أطيب المنى أود أن أوضح مسألة قانونية مهمة بمكان فى سياق التسلط الإثيوبى الذى جاوز أى مدى، وتحديدا فى سياق التهديد الإثيوبى بملء سد النهضة ــ سابع أضخم سد فى العالم ــ سواء توصلت الدول الثلاثة مصر والسودان وإثيوبيا إلى الاتفاق النهائى الشامل الخاص بتشغيل سد النهضة، أو لم تتوصل لمثل هذا الاتفاق.
يرخص القانون الدولى للدول ذات السيادة أن تتخذ «مبادرات من جانب واحد» أجمع فقهاء القانون الدولى على نعتها بالأعمال الانفرادية أى الأعمال الأحادية الجانب، فقد تتخذ الدول موقفا تجاه وضعية واقعية، أو تمارس أو تؤكد أو تتخلى عن حق تقدر أنها تملكه، أو تنضم إلى اتفاقية متعددة الأطراف، أو التحفظ بخصوص أحكام معاهدة ما، عبر اتخاذ قرار فى نظامها الداخلى أو عبر نشر بيان أو تصريح، أو أن ترسل مذكرة دبلوماسية إلى الدول أو المنظمات الدولية، وقد ازدادت فى الآونة الأخيرة هذه الاعمال أى «الأعمال الأحادية الجانب».
جلى أن هذه التصرفات الأحادية التى تمارسها الدول، بخلاف المعاهدات الدولية، لا تنتج عن تلاقى واتفاق عدة إرادات، ولكنها تصدر عن شخص قانونى واحد، هو الدول ذات السيادة فى أغلب الأحيان والظروف.
لا ريب أن القانون الدولى حين يسمح للدول أن تقوم بممارسة هذه الأفعال فإنه يقيد الدول بأن تأتيها متسقة تماما مع أحكام القانون الدولى حتى توسم وتنعت بالشرعية، وإلا ستعدو الدولة مثل الحصان الجامح أو الصبى الجانح، وهنا فاللجام الذى يكبح جماح الدولة هو القانون الدولى الذى يُقَدر أى يقيس مدى شرعية الأعمال الانفرادية للدول، حتى لا تتحكم إرادة الدولة فى إرادة الآخرين من الدول ذات السيادة، دون موافقتهم.
نافل القول، ما فتئت إثيوبيا منذ عام 2011، وحتى كتابة هذه السطور تتشبث بنظريات مطمورة، أسدلت عليها ستائر النسيان والبطلان أيضا، ومن بين هذه الفريات: السيادة المطلقة لإثيوبيا على نهر النيل الأزرق، وأعلنت إثيوبيا انفرادا عن ذلك مرارا وتكرارا، ولم تقتصر الأعمال الانفرادية فى ذلك الصدد على مجرد الإعلانات الرسمية المتواترة، ولكن تَوجَت هذه الإعلانات بالبيان الرسمى الإثيوبى الأخرق والخارق لكل المبادئ والقواعد القانونية، حين صرحت بأنها ستقوم بملء سد النهضة باتفاق مع مصر والسودان أو بدون ذلك الاتفاق.
جلى أن القانون الدولى كما سبق أن أسلفنا يربط بين صحة هذه الأعمال الانفرادية للدول بمدى توافقها مع القانون الدولى، ويكفى تدليلا فى سياق التصريحات الانفرادية الإثيوبية الشاذة أن نشير إلى أن البند الخامس من اتفاق إعلان المبادئ لسد النهضة الذى وقعته إثيوبيا دون ثمة غلط، أو إكراه، أو تدليس يشوب صحة هذه المعاهدة الدولية الملزمة، يحظر على دولة السد ــ إثيوبيا ــ أن تقوم بملء السد إلا بعد «اتفاق» مع مصر والسودان.
طلى أن الحالة الاستثنائية للزعم بتطبيق الأعمال الأحادية الجانب التى تتنافى مع أحكام القانون الدولى، هى الحالة التى تقبل فيها الدولة المخاطبة بهذه الأعمال الانفرادية، وبالتالى تنتج هذه الاعمال آثارها بشكل قانونى، ولكن تجاه الدولة أو الدول المعترفة بهذه الأعمال الانفرادية، وفى سياق الحالة الإثيوبية فالأمر لا يعوزه أى توضيح أو تدليل.
صفوة القول، إن ركوب إثيوبيا مركب الشطط، يستوجب على المجتمع الدولى: دولا ومنظمات دولية حكومية وغير حكومية أن يضطلع بمسئولياته تجاه الدولة الجامحة الجانحة، فانتهاكات إثيوبيا لا تضر فقط بدولة المصب ــ مصر ــ و لكن بالمجتمع الدولى، والقانون الدولى، وقانون المعاهدات الدولية.