بقلم: عماد الدين حسين
فى الحديث الرسمى مع المسئولين فى كل من القاهرة ولندن، فإن الكلام لا يكون بنفس الحدة الموجودة فى بعض وسائل الإعلام فى البلدين، والتى تصل إلى حد وجود مؤامرة.
بطبيعية الحال فإن هذا الأمر مفهوم، فالمسئولون الرسميون ينبغى أن يتحدثوا بأكبر قدر من الدبلوماسية، وأن يعظموا جوانب الاتفاق، ويقللوا جوانب الاختلاف، وألا يجاهروا بحقيقة الخلافات حتى لا تزداد تفاقما.
فى الأسبوع الأول من يوليو الماضى، قابلت السفير المصرى فى لندن طارق عادل، فى مقر سكنه بالعاصمة البريطانية، فى إطار حفل عشاء أقامه لبعض المشاركين فى اجتماع مجلس أمناء الجامعة البريطانية، الذى يرأسه رجل الأعمال المعروف محمد فريد خميس، وكان من بين الحاضرين كوكبة من العلماء والسياسيين وأساتذة الجامعة المرموقين، وكبار رجال الأعمال، منهم عمرو موسى ومصطفى الفقى ومجدى يعقوب ومصطفى السيد وفاروق الباز، وأحمد حمد، وباسل الباز وفريدة خميس.
بعد نهاية العشاء اقترحت على السفير ان يتحدث معنا، وكنا خمسة من الصحفيين المصريين الذين غطوا اجتماعات مجلس الأمناء.
السفير وافق مشكورا، ورد على كل أسئلتنا عن علاقات البلدين.
يقول السفير المصرى إن العلاقات مع بريطانيا متشعبة والاقتصاد جزء اساسى منها، وبريطانيا من أكبر 3 دول استثمارا فى مصر، فى مجالات الطاقة، ونهدف لتنمية هذه الاستثمارات، وجذبها لمجالات اخرى، واشار إلى مشروع شركة بومبارديه البريطانية الكندية، لإنشاء المنوريل الذى يربط مدينة أكتوبر وزايد بشرق القاهرة والعاصمة الإدارية.
تحدث السفير أيضا عن التعاون فى مجالات واعدة فى التعليم، خصوصا افتتاح فروع للجامعات البريطانية فى مصر، وأنه تم أخيرا التوقيع مع جامعة كوفنترى البريطانية لتفتح فرعا لها فى العاصمة الإدارية، مع أمل فى افتتاح فروع أخرى لجامعات بريطانية.
وفى مجال الصحة هناك برتوكول تعاون للاستفادة من التجربة البريطانية فى التأمين الصحى، وتم ايفاد أطباء مصريين لبريطانيا للتدريب وللإطلاع والاستفادة من التجربة البريطانية، وهم من كوادر بورسعيد. وقد أنهى الوفد فترة تدريبه فى لندن فى الأيام الأولى من يوليو الماضى.
هذا ملخص ما قاله السفير طارق عادل. وكما فهمت من الحديث مع بعض المصادر غير الرسمية، فإن العلاقات الاقتصادية تحتاج لعلاقات سياسية مستقرة. صحيح أن بريطانيا دولة عظمى وعضو دائم بمجلس الأمن، لكن فى المقابل فمصر دولة مهمة وسوق كبيرة بها 100 مليون، وكل هذا يتطلب علاقات مستقرة، ومن المهم وجود حوار سياسى صريح بين الطرفين، للاقتراب والتفهم وإزالة الاختلافات بشأن بعض القضايا.
تشكو مصر من تأثير عناصر إخوانية على القرار السياسى البريطانى، هذه العناصر تنشط فى البرلمان وتقدم له العديد من الشكاوى، ويستغلون علاقاتهم للضغط على نواب فى دوائرهم، وهو ما يؤدى لبرود فى العلاقات، بسبب مراعاة الحكومة لبعض عناصرالإخوان لأسباب انتخابية وسياسية.
دبلوماسى مصرى سابق قال لى، إننا عندما كنا نشرح موقفنا من تحريض الإخوان، يرد البريطانيون بالقول: «كنا فاهمين غلط وسنراجع موقفنا من الجماعة»!!. لكن الموقف لم يتغير!!.
تشكو مصر أيضا من أن بريطانيا، لا تريد النظر للميليشيات الإرهابية فى ليبيا، رغم أن من حق مصر أن تتحرك لتأمين حدودها الممتدة معها بمسافة 1200 كيلو متر، ودعم الجيش الوطنى، والحفاظ على وحدة ليبيا ومؤسساتها واستقرارها.
تشكو مصر أيضا من غموض وغرابة تعليق بريطانيا لرحلات الطيران إلى شرم الشيخ رغم أنها نفذت كل ما تم الاتفاق عليه منذ وقوع طائرة الركاب الروسية عام 2015.
ويأتى البريطانيون لشرم الشيخ بشكل غير مباشر، مما يكبدهم مبالغ باهظة، وكل دول العالم استأنفت طيرانها للمنطقة، والرأى العام فى مصر يرى أن هناك أسبابا اخرى لاستمرار هذا الحظر، غير الاشتراطات الامنية التى تمت الاستجابة لها جميعا!!.
فى تقدير المسئول المصرى السابق، والمطلع على الملف، فإن بريطانيا بعد البريكست ستختلف عما قبلها، وستعيد ترتيب العلاقات مع العديد من دول العالم وفى مقدمتها مصر، وربما تتغير بعض معادلات الاقتصاد والسياسة. ويضيف هذا المسئول بأن الحكومة المصرية يفترض أن تبعث برسالة إلى نظيرتها البريطانية خلاصتها:
«نتمنى أن تعيدوا تقدير وتصحيح موقفكم، لكن إذا لم تفعلوا فإن المعادلة القديمة لن تكون صالحة للعمل بعد الآن، أى أن تتمتع بريطانيا بكل مميزات التعامل الاقتصادى خصوصا فى الطاقة، فى حين تدير ظهرها لكل الهموم والشواغل المصرية فى مجالات السياسة والإرهاب والسياحة»!! تلك تقريبا رؤية مصر، فما هى الرؤية البريطانية، وهل هناك أمل حقيقى فى تحسن علاقات البلدين؟!!!.