بقلم: عماد الدين حسين
فى الأيام الأخيرة، بدأت التسريبات تزداد بشأن ما يسمى بصفقة القرن المتعلقة بالقضية الفلسطينية. خصوصا أنها تتم بالتوازى مع الانتخابات الإسرائيلية المبكرة التى جرت بالامس. من هنا تأتى أهمية توقيت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى الحالية لواشنطن، والتقدير أن القضية الفلسطينية ستكون على طاولة المفاوضات بين السيسى والرئيس الأمريكى دونالد ترامب وأركان إدارته إضافة بالطبع إلى علاقات البلدين وملفات المنطقة خصوصا ليبيا واليمن والارهاب.
كل ما نأمله أن نظل متمسكين بموقفنا المبدئى، وألا نسمح بتمرير المخطط الأمريكى الإسرائيلى، الذى يستهدف نسف أى حلول عادلة، وفرض أوضاع تقوم فقط على الإخضاع والقهر.
الرئيس السيسى وبمجرد وصوله إلى واشنطن اجتمع مع مايك بومبيو وزير الخارجية ثم مع جاريد كوشنر كبير مستشارى ترامب، وزوج ابنته، والأهم أنه عراب صفقة القرن. المتحدث باسم الرئاسة السفير بسام راضى قال إن «مصر أكدت أنها ستظل داعما لأى جهد مخلص يضمن التواصل لحل دائم وعادل استنادا لقرارات ومرجعيات الشرعية الدولية وحل الدولتين وما تضمنته المبادرة العربية، على نحو يحفظ الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى إضافة إلى تحسين حياة أهالى قطاع غزة».
هذا هو الموقف المصرى الثابت، ونتمنى أن يستمر كما هو فى مواجهة ضغوط أمريكية مستمرة، ليس علينا فقط، ولكن على غالبية البلدان العربية ذات الصلة.
يشكو البعض من أن «صفقة القرن» ما تزال غامضة ولم يكشف عنها، فى حين أن كثيرين يسخرون قائلين: «الصفقة لم تعد غامضة، فقد ثم الكشف عنها بالفعل وإعلانها، وجوهرها نقل السفارة الأمريكية إلى القدس العربية المحتلة، ثم الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، ولاحقا الاعتراف بالسيادة على الضفة الغربية وبحيث لا يبقى للفلسطينيين إلا غزة وجيوب متناثرة فى الضفة من دون دولة فعلية ومن دون أى مظاهر للسيادة».
بعض الصحف الغربية نقلت فى الفترة الأخيرة العديد من التسريبات بشأن صفقة القرن، منها مزاعم تقول إن مصر أعطت تيران وصنافير للسعودية، وفى المقابل ستعطى السعودية مساحة من أرضها للأردن، الذى سيقوم بدوره بإعطاء مساحة من أرضه للفلسطينيين، إضافة إلى مزيد من الحقوق للفلسطينيين فى الأردن!. هذا ما يقال ونتمنى ألا يكون صحيحا.
جوهر ما تبقى من صفقة القرن هو حلول اقتصادية لمشكلة قطاع غزة، ومبالغ مالية تدفعها فى الاساس بعض بلدان الخليج، لا نعرف مدى دقتها. المروجون للصفقة يقولون إنها تبشر بجنة اقتصادية فى هذا القطاع، الذى يعانى بؤسا غير مسبوق، وهناك أحاديث متفرقة عن إعادة الروح إلى الميناء البحرى والمطار الجوى، وزيادة مساحة الصيد، وفتح معبر رفح بصفة دائمة، إضافة إلى الحديث عن منطقة تجارة حرة مع مصر.
ومقابل الغموض الذى يكتنف هذا الملف فى شقه الفلسطينى، فوجئنا بما قاله رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو قبل أيام بأن إسرائيل ستواصل العمل على إدامة الفرقة بين الضفة وغزة، ثم تلاها بحديث عن ضم الضفة إلى السيادة الإسرائيلية فى حالة فوزه بالانتخابات البرلمانية.
لسنا واهمين لنتخيل أن إسرائيل مع هذا الدعم غير المسبوق مع أمريكا، والضعف غير المسبوق من العرب، ستعطى الفلسطينيين حلا يتوافق مع الشرعية الدولية.
ثم أن موازين القوة شديدة الاختلال، وبعض الدول العربية صارت تنظر إلى إسرائيل باعتبارها حليفا فى مواجهة إيران، التى تتعامل بدورها فى كثير من الملفات باعتبارها قوة هيمنة، أكثر منها جارة للعرب.
هذا هو المشهد الراهن فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. هل نلوم إسرائيل أو أمريكا، حينما يمارسون البلطجة «عينى عينك»، أم نلوم أنفسنا كعرب وفلسطينيين؟!
للموضوعية يصعب فهم واستيعاب أن يستمر الخلاف بين فتح وحماس بهذا العناد الأحمق الذى يقترب من الخيانة، فى حين أن إسرائيل تواصل قضم ما بقى من الضفة.
ويصعب تصور أن يعتقد بعض العرب، أن إسرائيل ستقدم لهم أى شىء، وهم على هذا المستوى من الانقسام والضعف.
أدرك أن جدول أعمال الرئيس السيسى مع ترامب كان حافلا بالعديد من الموضوعات مثل العلاقات الثنائية والملفات الإقليمية، لكن علينا أن نحافظ على موقفنا المبدئى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وألا نسمح بتمرير ما يحلم به نتنياهو وقادة إسرائيل، عبر ترامب وكوشنر وجيسون جرنيبلات وديفيد فريدمان، لأن ما لا نستطيع تحقيقه اليوم من حقوق مشروعة، فلا ينبغى أن نوقّع على صكوك التنازل عنه.