بقلم: عماد الدين حسين
مساء الإثنين الماضى كنت سعيد الحظ أننى شاركت فى حلقة نقاشية متميزة فى برنامج «رأى عام» الذى يقدمه الإعلامى المتميز عمرو عبدالحميد على قناة «تن».
الحلقة كانت بعنوان: «هل يتغير العالم نتيجة أزمة كورونا؟».
شارك فى النقاش كل من المفكر الدكتور عبدالمنعم سعيد، واللواء خالد عكاشة مدير المركز المصرى للفكر والدراسات، وحلمى النمنم وزير الثقافة السابق والكاتب والباحث المعروف.
النقاش كان هادئا ورصينا، ولم يتضمن صراخا أو زعيقا، كما هو موجود فى العديد من البرامج الفضائية العربية، التى يتبنى بعضها فكرة أن العالم تغير تماما، ولم يعد كما هو قبل كورونا.
عمرو عبدالحميد كان معجبا بمقال هنرى كيسنجر وزير الخارجية الأمريكى الأسبق والمفكر الاستراتيجى الكبير الذى قال إن عالم ما بعد كورونا لن يكون كما كان قبله.
العبارة رنانة ومغرية ورددها كثيرون قبل كيسنجر وبعده.
المؤكد أن العبارة بها الكثير من الصحة، لكن البعض يفهم الأمر باعتباره سيتم بعد أيام، حينما ينجح العالم فى القضاء على الفيروس، أو أن تقوم الأمم المتحدة بإعلان بيان رسمى أو استصدار قرار من مجلس الأمن، يعلن نهاية النظام القديم وولادة النظام الجديد.
إذا كان البعض يفكر بهذه الطريقة، فإننى أقول له: ذلك لن يحدث بالمرة.
المتحدثون فى الحلقة وكثيرون غيرهم من المتابعين والمعلقين فى العالم أجمع، يقولون إن التغيرات الدولية فى الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الصحة أو أى مجال آخر. لا تحدث بين يوم وليلة. وباستثناءات قليلة، فإن هذه التغيرات تحتاج إلى وقت وتتم بهدوء شديد، قد لا يلحظه كثيرون، لكنهم يتفاجأون فقط بالنهاية التى يعتقدون أنها مفاجئة، فى حين أنها كانت تختمر لوقت طويل.
وما لم تحدث مفاجأة فأغلب الظن، أن كثيرا مما نراه فى النظام الدولى الراهن سيظل موجودا بصورة أو بأخرى حتى تكتمل المعطيات الأساسية للتغيير فى اتجاه آخر.
وبالتالى فقيادة الولايات المتحدة للعالم سياسيا وعسكريا واقتصاديا سوف تستمر، لكن لا نعرف إلى متى وبأى تكلفة، حتى نرى النتائج النهائية لتداعيات كورونا.
الدكتور عبدالمنعم سعيد له رأى سديد هو أن الصراع الأمريكى الصينى مستمر منذ فترة، خصوصا فى الشق التجارى، والنفق الذى دخل فيه الشرق الأوسط ليس وليد كورونا، بل هو موجود منذ عشر سنوات تقريبا.
البعض أيضا يقول إن الاتحاد الأوروبى انتهى، وسوف يسقط فعليا بعد أسابيع وربما أيام. هؤلاء لم يلاحظوا التغيرات العميقة التى يتعرض لها الاتحاد، خصوصا منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فى أوائل عام ٢٠١٧. هو لا يخفى نواياه وأمنياته فى تفكك الاتحاد، ويفضل أن يتعامل مع كل دولة على حدة. هو حارب الاتحاد تجاريا مثلما فعل مع الصين. نفس الرغبة موجودة لدى روسيا، ونجحت فى التسلل للعديد من دول الاتحاد بطرق شتى من أول دبلوماسية الكمامات مع إيطاليا، إلى دبلوماسية خطوط الغاز مع العديد من دول الاتحاد خصوصا ألمانيا.
الضربة الكبرى للاتحاد كانت خروج بريطانيا رسميا، وهو ما جعل نموذج الخروج قابلا للتكرار، مثلما سمعنا فى إيطاليا حتى قبل كورونا. أما المشكلة الأعمق، فهى صعود اليمين الشعبوى، والأخطر الأزمات الاقتصادية الخانقة الناتجة عن أسباب كثيرة منها ارتفاع الديون العالمية، ورأينا مظاهرات السترات الصفراء فى فرنسا، التى كشفت عن جانب خطير من الهشاشة الاقتصادية، وقبلها كانت أزمة الديون الخطيرة فى اليونان.
كل ذلك حدث قبل كورونا، ولكنه لا يعنى أن الاتحاد سيتفكك غدا لمجرد أن بعض الشخصيات العامة فى إيطاليا قالت إن الاتحاد تخلى عنهم، ولم يجدوا بجانبهم إلا الصين وروسيا. الاتحاد سوف يستمر لأنه لا يزال يقدم بعض الفوائد للعديد من بلدانه، لكن السؤال الجوهرى: إلى متى سوف يستمر، وما هو تفكير وشعور مواطنى الاتحاد، حينما يتوجهون لصناديق الانتخابات فى انتخابات الآن أو فى المستقبل؟!.
المؤكد أن هناك متغيرات ستحدث بسرعة فى العالم أجمع خصوصا، فيما يتعلق بالاهتمام الشديد بالخدمات الصحية والطب الوقائى، الذى ثبت أنه متراجع فى غالبية دول العالم. سيتم الاهتمام أيضا بالتحول الرقمى والذكاء الاصطناعى، وممارسة الكثير من المهام عن بعد خصوصا التعليم والمؤتمرات. سيزيد دور الموبايل كثيرا، بعد أن لعب دورا مهما فى مرحلة كورونا.
قد يتأثر دور الصين كمصنع للعالم، لكن ذلك لن يتم بين يوم وليلة، حتى تقتنع الشركات الغربية الكبرى بالعودة إلى بلدانها مرة أخرى من الصين.
هناك أشياء ستتغير بسرعة، لكن النطام القديم لن يختفى فورا.