بقلم: عماد الدين حسين
من هو البطل الحقيقى فى الاحتجاجات الأمريكية والدولية ضد مقتل المواطن الأمريكى من أصل إفريقى جورج فلويد يوم ٢٥ مايو الماضى، على يد الشرطى العنصرى الأبيض ديريك تشوفين بطريقة وحشية فى مينا بوليس بولاية مينسوتا؟!
المؤكد أن هناك خلفيات كثيرة وراء هذا الحادث، مثل العنصرية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الصعبة للسود، لكن ظنى أنه من دون الشخص أو مجموعة الأشخاص الذين قاموا بتوثيق المشهد على أرض الواقع، ما كان يمكن للقضية أن تصل إلى هذه الدرجة من السخونة والانتشار والتأثير.
وإذا صح هذا الاستنتاج فإن البطل الحقيقى هو جهاز الموبايل، الذى صور المشهد ووضع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى.
سيقول قائل: ولكن مشاهد التميز العنصرى ضد ذوى البشرة السمراء وربما ضد كل ما هو غير أبيض، موجودة وراسخة فى الثقافة الأمريكية منذ قرون، فما هو الجديد فى هذه المرة؟!
الإجابة نعم التمييز موجود، وحوادثه كثيرة، ومتكررة كل فترة، وتثير الكثير من الاحتجاجات، لكن الأمر هذه المرة مختلف إلى حد كبير.
العالم كله شاهد الشرطى عديم الرحمة تشوفين وهو يبرك بكل جسمه على عنق فلويد لمدة ثمانى دقائق وثانية، والشاب يستغيث قائلا: «لا أستطيع أن أتنفس». والشرطى لا يستجيب، وحوله مجموعة من زملائه عديمى الرحمة أيضا، لا يقومون بإيقاف هذه الجريمة، فى حين شاهدنا العديد من المارة يحاولون إقناع الشرطى بالتوقف عن تعذيب فلويد.
أى إنسان عادى شاهد هذا الفيديو، لابد أن يتضامن مع فلويد، وأن يدين ويشجب ما فعله تشوفين. الفيديو نقل بوضوح حقيقة القضية، وهى التميز العنصرى الذى ما يزال كامنا فى المجتمع الأمريكى، بل ويعتقد كثيرون أن سياسات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب تغذيه يوما بعد يوم.
قبل ثورة الفيديو كان الأمر أقرب إلى القضايا المجردة لكن مثل هذا المشهد، لعب وسيلعب دورا مهما فى تسليط الضوء على التمييز العنصرى ضد السود فى الولايات المتحدة.
كتبت وكتب غيرى كثيرا عن الأضرار والسلبيات التى نتجت عن ثورة السوشيال ميديا، لكن علينا أن نكون موضوعيين أيضا، ونذكر الجانب الآخر المفيد لوسائل التواصل الاجتماعى، خصوصا فى مثل هذه القضايا.
لولا هذا الفيديو، ما كان كثيرون سمعوا عن القضية، ولظلت محصورة ربما فى مدينة مينا بوليس أو بعض المدن التى تقطنها غالبية من السود. لكن وبفضل وسائل التواصل الاجتماعى صار الفيديو متاحا للجميع أن يشاهدوه فى معظم أرجاء العالم.
تخيلوا أن مواطنا بسيطا يسير فى الشارع ولديه جهاز موبايل قد لا يزيد ثمنه عن خمسين دولار، ومزود بكاميرا بسيطة، تلتقط مثل هذا المشهد، يمكن أن يؤثر فى مجريات المشهد السياسى والاجتماعى الأمريكى لهذه الدرجة؟!
ترامب استغل السوشيال ميديا بمهارة فائقة منذ حملته الانتخابية وحتى هذه اللحظة. صار موقع التغريدات تويتر هو ميدانه المفضل، وليس اللجوء لوسائل الإعلام التقليدية.
لكن يبدو أن «السحر يمكن أن ينقلب على الساحر»، خصوصا بعد المعركة بين الرئيس وتويتر الذى قام بوضع علامات تحذير على بعض تغريدات ترامب لأنها يمكن أن تمجد العنف، وبعدها قرر الرئيس أن يصدر مرسوما يخضع فيه وسائل التواصل الاجتماعى للمسئولين عما ينشر عليها من آراء وأفكار.
مشهد تعذيب فلويد ليس الأول، ولن يكون الأخير. شاهدنا تغييرات وقرارات مهمة فى العديد من بلدان العالم، بسبب مشهد واحد لكاميرا مواطن عادى، تواجد بالصدفة فى المطار والتوقيت الصحيح.
ما كانت تستطيع الحكومات والسلطات والدول كبيرها وصغيرها أن تمنعه من النشر أو البث، انتهى إلى حد كبير. يكفى كاميرا موبايل صغيرة، أو كاميرا فى شارع جانبى أن تفضح وتهتك كل الأسرار.
ظنى الشخصى أن وسائل التواصل الاجتماعى ــ ورغم أضرارها الكثيرة خصوصا فى موضوع القيم ــ قد أدت إلى زيادة دور الشعوب فى تقرير مصيرها، وحق كل مواطن أن يعلق أو يشارك فى العديد من القضايا المهمة وهو أمر لم يكن يتخيله أحد من قبل.