بقلم: عماد الدين حسين
فى الثامنة والنصف مساء الإثنين الماضى، كان المراسلون الأجانب فى مصر فى انتظار اللقاء مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى قاعة صغيرة بجوار القاعة الكبرى بمركز المؤتمرات الدولية فى شرم الشيخ. كان معهم عدد قليل من الصحفيين العرب المدعوين لحضور منتدى شباب العالم، فى دورته الثالثة، وعدد أقل جدا من رؤساء تحرير الصحف المصرية. الرئيس دخل فى الموعد المحدد، وسبقه بقليل رئيس الوزراء د. مصطفى مدبولى، وبعض الوزراء ومدير مكتب الرئيس اللواء محسن عبدالنبى، والناطق باسم الرئاسة السفير بسام راضى.
على مستوى الشكل لفت نظرى بقوة أن مديرة مكتب «البى بى سى البريطانية» الزميلة صفاء فيصل. تجلس فى الصف الأول بين وزير الخارجية السفير سامح شكرى، ووزيرة الهجرة السفيرة نبيلة مكرم، فى حين جلس فى الصف الثانى خلفها الأساتذة مكرم محمد أحمد رئيس المجلس الأعلى للإعلام، وكرم جبر رئيس الهيئة الوطنية للصحافة، وضياء رشوان نقيب الصحفيين ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات.
هذه اللفتة الرمزية تحسب للمشرفين على التنظيم، وقد لاحظت أيضا أنه تم تغيير أماكن بعض المراسلين الأجانب ومنهم زملاء افارقة، من الصفوف الخلفية كى يجلسوا فى الصف الأول، حتى يكون الشكل مطابقا للمضمون، بما أن عنوان الحدث هو اللقاء بين الرئيس والمراسلين الأجانب. وكان من الجالسين فى الصف الأول أيضا الزميل والصديق سمير عمر مدير مكتب قناة «سكاى نيوز عربية» بالقاهرة، وعدد آخر من المراسلين لا أتذكر أسماءهم.
اللقاء أداره ببراعة الإعلامى المتميز والأكثر مهنية شريف عامر، الذى أخبر المراسلين والإعلاميين قبل بداية اللقاء بضرورة استغلال عامل الوقت «السلعة الأكثر ندرة فى العالم» خصوصا للإعلاميين. طلب منهم أن تكون الأسئلة سريعة ومركزة وفى المضمون، حتى لا يعتقد البعض انه سيلقى مداخلة ووجهة نظر وليس سؤالا صحفيا لرئيس الجمهورية، لأن اللقاء مدته ساعة فقط لوجود ارتباطات كثيرة للرئيس.
كل ما سبق كان على مستوى الشكل، وظنى أن هذا اللقاء الذى يعقد للسنة الثالثة على التوالى، خطوة مهمة فى العلاقة بين الدولة المصرية، ممثلة فى أعلى مستوى، وهو رئيس الجمهورية، وبين المراسلين الأجانب.
فى مثل هذه اللقاءات الطرفان رابحان. الدولة تنقل وجهة نظرها، للإعلام الخارجى، والأخير يحصل على البيانات والمعلومات ووجهات النظر من المصادر الأصلية مباشرة.
وجهة نظرى أن التجارب والتطورات الحديثة فى عالم الإعلام وثورته التقنية. تقول لنا بوضوح إن الأفضل أن أكون متواجدا وبقوة كدولة فى وسائل الإعلام المختلفة، حتى أستطيع أن أنقل وجهة نظرى، خصوصا إذا كان الإعلام الأجنبى أكثر قوة وتأثيرا.
أقول هذا الكلام، لأن هناك وجهة نظر نسمعها تتكرر بشدة فى السنوات الاخيرة، تحاول شيطنة كل ما هو إعلام أجنبى. وتدعو إلى مقاطعته، بل وإلى طرده من مصر وإغلاق مكاتبه. وبصورة عملية مصلحية. هذا التصور خطأ وخطر، ورغم ذلك يمكن فهمه، لو كان لدينا إعلام قوى، وقادر على التأثير فى الخارج، لكن حقيقة الأمر، إننا نحتاج لكل وسائل الإعلام، حتى تنقل وجهة نظرنا، وما نحققه على الأرض.
قد يسأل البعض مستنكرا ويقول: إن هناك وسائل إعلام أجنبية مغرضة ومتحيزة.. والإجابة نعم هذا صحيح، ولكن السؤال الأهم هو: كيف يمكن التعامل بذكاء مع مثل هذه الوسائل؟. الإجابة أن تكون لدينا كوادر قادرة على الاشتباك معها وفضحها باللغة التى تفهمها، وليس بالشتائم، وأن نجبرها على التصحيح والتعديل، لأنه حينما يتم إغلاق هذه المكاتب، فإنها تتحول إلى عدو معلن ومكشوف. وأظن أن تجربة الصدام مع «البى بى سى» ورويترز بشأن أكثر من واقعة فى العامين الماضيين خصوصا «قصة اختفاء زبيدة» او أعداد ضحايا بعض العمليات الارهابية، كانت فى مصلحة الدولة المصرية. وبالتالى علينا أن نستمر فى تجريب هذا الطريق، حتى نقنع الإعلام الأجنبى بأننا سوف نفضحه إذا ضل الطريق. وسنمد له، كل أيدى المساعدة، إذا كان موضوعيا ومهنيا. ثم إنه يفترض أيضا أن نكون أكثر انفتاحا مع الإعلام عموما، ونوفر له المعلومات الأساسية حتى لا يلجأ إلى مصادر جاهلة أو تافهة أو مغرضة.
أتمنى أن تتكرر لقاءات الرئيس وكبار المسئولين مع المراسلين الأجانب، وأن تصبح كل ثلاثة شهور مثلا وليس كل عام.
السؤال الأخير، كل ما سبق كان على مستوى الشكل، فما الذى حدث فيما يتعلق بالمضمون، وكيف تحدث الرئيس وأوضح وجهة نظر مصر فى القضايا الراهنة مصريا وعربيا وعالميا؟!