لماذا لم تجرؤ الولايات المتحدة على نقل سفارتها إلى القدس العربية المحتلة، أو الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية إلا هذه الأيام، رغم أن القدس والجولان محتلتان منذ يونيو 1967؟! الأسباب كثيرة ونكررها منذ سنوات، وأهمها الخلف والضعف والانقسام العربى والفلسطينى.
لكن اليوم سأركز على عامل جديد وهو أوهام بعض الحكومات العربية، بأن الانبطاح أمام أمريكا وإسرائيل سيقود إلى السلام، إضافة إلى الدور الإيرانى شديد السلبية الذى قاد بعض العرب إلى الأحضان الإسرائيلية المسمومة، وهو موضوع أرجو أن أعود إليه لاحقا.
نتحدث منذ وقوع النكبة عام ١٩٤٨ عن الانقسام العربى، لكن لم يكن أحد يتخيل أن يصل الانبطاح لهذه المرحلة المزرية، والأخطر هو اعتقاد البعض أن ذلك سيقود لقيام الولايات المتحدة وإسرائيل بتقديم التنازلات لنا.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب لم يخف انحيازه السافر لإسرائيل، وللموضوعية فإن كل الرؤساء الأمريكيين وسياساتهم الخارجية كانوا كذلك بصورة أو بأخرى، لكن ترامب أكثرهم انحيازا.
كل الرؤساء الأمريكيين منذ عام ١٩٩٥ تعهدوا بنقل سفارة بلادهم من تل أبيب إلى القدس، ثم تراجعوا حينما أدركوا أن ذلك قد يكلف بلادهم ثمنا كبيرا. الوحيد الذى نفذ ذلك هو ترامب فى مايو ٢٠١٨. ويوم الاثنين الماضى كرر ترامب وعد بلفور معترفا بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان خلال قمة جمعته مع بنيامين نتنياهو رئيس وزارء إسرائيل.
بالطبع يعلم الجميع أن الجولان أرض عربية سورية محتلة منذ يونيو ١٩٦٧، والأمم المتحدة تقر بالامر، وكل الإدارات الأمريكية، كانت لا تعارض ذلك، بما فيها إدارة باراك أوباما، التى تركت قرارا يمر فى مجلس الأمن فى شتاء ٢٠١٥ يؤكد أن الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين والجولان غير شرعى، وكذلك بناء المستوطنات.
لكن من قال إن القرارات أو الشرعية الدولية هى التى تحكم العالم؟!
حقائق القوة الشاملة، وأحيانا البلطجة هى صاحبة الكلمة الأولى فى العلاقات الدولية. لكن مرة أخرى هل نلوم ترامب أنه فعل ويفعل ذلك، أم نلوم أنفسنا لأننا وصلنا إلى حالة صار فيها الجميع، يتعامل معنا باعتبار «الرجل العالم المريض؟!!»؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
ترامب خدع وضحك على العرب، وقال لهم إنه سينقل السفارة إلى القدس، حتى يقنع إسرائيل بتقديم تنازلات فيما يسمى بصفقة القرن، التى نسمع عنها قبل أكثر من عامين. مرت الايام والشهور ولم نر أى ملامح لهذه الصفقة، بل مجرد تسريبات وتكهنات ملتبسة وغامضة، والآن يطالبنا ترامب بالصبر وانتظار صفقة القرن، فى حين يعترف بسيادة إسرائيل على الجولان!.
لست واهما أو مخدوعا، كى أطلب من الحكومات العربية بقطع العلاقات مع الولايات المتحدة تطبيقا لميثاق جامعة الدول العربية، أو حفاظا على مصالحهم القومية العليا. ولست ساذجا لأطلب منهم أن يعلنوا الحرب على إسرائيل التى تعربد كل يوم فى المنطقة من دون رادع، كما تفعل الآن فى غزة. لكن اللوم الحقيقى ينبغى أن نوجهه للحكومات العربية، التى يعتقد بعضها أن «الحمل يمكن أن يعيش بأمان مع الذئب!».
أتمنى أن تفرق الحكومات العربية بين خلافها الراهن مع الحكومة السورية، والمستمر منذ مارس ٢٠١١، وبين هذه القضية الجوهرية أى السيادة السورية على الجولان العربى المحتل.
أعرف أن غالبية الحكومات العربية لم تعد تتعامل مع القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، وأعرف أيضا أنه صارت لكل حكومة قضية مركزية داخلية تتنوع ما بين خطر الإرهاب إلى الحروب الأهلية والطائفية، مرورا بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المختلفة.
بعض هذه الحكومات يهرب إلى الأمام معتقدا أن علاقاته السرية مع الولايات المتحدة أو إسرائيل هى أفضل طريق للحفاظ على وجوده فى السلطة.
لكن هؤلاء الواهمين لا يدركون أن ترامب وإدارته يتعاملون معهم باعتبارهم مجرد أدوات يستخدمونها اليوم، وسوف يتخلصون منهم غدا، وما نموذج شاه ايران عنا ببعيد!!. سمعنا ترامب يتحدث بطريقة مهينة جدا عن بعض المسئولين العرب، وهى طريقة تكشف عن حقيقة نظرته لهؤلاء المسئولين؟!.
كنت أتعجب، وأنا أقرأ عن كيفية سقوط الدولة العربية فى الأندلس عام ١٤٩٢، والآن بدأت أفهم ما حدث فى الماضى، لأنه يتكرر بنفس السيناريو، مع فارق بسيط فى بعض التفاصيل.
لا نطالبكم بإعلان الحرب على ترامب وإسرائيل، لكن لا تنبطحوا أو تندلقوا بمثل هذه السهولة والمجانية. نريد منكم على الاقل بيانات رفض وإدانة قوية وصادقة، فهل حتى ذلك صار صعبا!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع