بقلم - عماد الدين حسين
ما الذى يدور فى عقل الإرهابى الصغير أو الكبير حينما يشارك فى أى عملية إرهابية، مثل تلك التى وقعت مساء الجمعة الماضى، وأدت إلى مقتل ثلاثة سائحين من فيتنام، ومرشد سياحى مصرى، بانفجار عبوة ناسفة قرب المريوطية فى محافظة الجيزة؟! والسؤال الأهم من الذى يدفع ثمن هذه العمليات الإرهابية؟!.
الإرهابى الصغير، الذى يطق الرصاصة أو يزرع القنبلة أو يقوم بتفجيرها، أو حتى ينفذ عملية انتحارية، يعتقد واهما أنه يجاهد فى سبيل الله، لإعلاء كلمة الدين وإقامة الخلافة الراشدة النقية الطاهرة. هو وبعد أن تم غسل دماغه كاملا، صار دمية فى يد من يشغله، وإذا كان يقوم بتكفير أبيه وأمه وبقية أهله، فهل يصعب إقناعه بتفجير هنا أو هناك؟!!.
هو وافق على أن ينضم لتنظيمات يدعى بعضها الدفاع عن «بيت المقدس» فى حين أنهم أعطوا القدس ظهورهم، وصاروا يوجهون رصاصاتهم ومتفجراتهم ضد الشعب المصرى وبقية الشعوب العربية، وليس ضد العدو الذى احتل المدينة المقدسة وكل فلسطين، وأجزاء من سوريا ولبنان. هذا الشاب المضحوك عليه، يعتقد أنه بمثل هذه التفجيرات يساهم فى تقريب وتحقيق الهدف الأكبر وهو إقامة الدولة الإسلامية المتوهمة داخل رأسه فقط، عبر استنزاف اقتصاد الدولة وإنهاكها، حتى تقع فريسة فى أيديهم.
فى التاريخ الحديث، خصوصا فى مصر، لم يحدث أن انتصرت عصابة أو ميليشيا أو جماعة إرهابية أو غير إرهابية على الدولة، حتى فى ظل أضعف لحظات الدولة. وبالتالى فالسؤال: ما الذى يجعل هذه التنظيمات ومن يقفون وراءها، تعتقد أنها ستنجح فيما فشل فيه الآخرون؟!.
هؤلاء لم يدرسوا مثلا تجربة الجماعة الإسلامية، التى رفعت السلاح على الدولة والحكومة وسائر المجتمع. هى قتلت رئيس الجمهورية الأسبق أنور السادات، وهاجمت الأقسام ومديريات الأمن واستهدفت السائحين والأقباط ومحلات الفيديو، واغتالت بعض المثقفين والشخصيات العامة وحاولت مع آخرين.. فماذا كانت النتيجة بعد ثمانى سنوات «١٩٩٠ ــ ١٩٩٨؟!». الدولة انتصرت، واصطف المجتمع بأكمله تقريبا خلفها، رغم العديد من سياسات الحكومة الفاشلة والخاطئة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وأمنيا وقتها. هذه الجماعات أقدمت على إجراء مراجعات فقهية والاعتذار للمجتمع عما فعلته.
إرهابيو هذه الأيام تورطوا فى كل شىء، قتلوا ضباط الشرطة والجيش والنائب العام، ومواطنين عاديين، وفجروا الأقسام ومديريات الأمن وأبراج ومحطات الكهرباء والمواصلات العامة. فعلوا كل ذلك ظنا أنه يقربهم من مرادهم فماذا كانت النتيجة؟!.
المواطنون العاديون زادوا نفورا منهم، وغالبية العالم يقف مع الحكومة المصرية ضدهم، حتى أولئك الذين يدعمونهم سرا، ويشجبون أفعالهم علنا!!.
هم لا يريدون أن يدركوا أن إنهاك الاقتصاد المصرى،لا تدفع ثمنه الحكومة فقط، بل المجتمع بأسره، وبالتالى فمهما اختلف بعض المصريين مع الحكومة، بشأن بعض السياسات، فلن يتضامنوا أو يؤيدوا الإرهابيين فى صراعهم مع الحكومة.
حينما تقوم جماعة إرهابية بتوجيه ضربة للسياحة فإن كل العاملين فى السياحة، سوف يلومون الإرهابيين وليس الحكومة. وقتها سيدرك كل عامل وموظف فى السياحة أن الإرهابيين تسببوا فى إلحاق الأذى به وبأهله ومستقبله، حتى لو كان مختلفا تماما مع الحكومة فى كل شىء. هو قد يكون ناقما على الحكومة بشأن السياسات الاقتصادية مثلا، لكنه يظل خلافا فى الرأى فى حين أن خلافه مع الارهابيين يتعلق بوجوده ومستقبله.
بدأنا كلامنا بالحديث عن الإرهابى الصغير المغسول دماغه، فى حين أن الارهابى الأكبر يدرك كل ما سبق لأنه يعمل لمصلحة قوى وأجهزة إقليمية ودولية. هو يدرك أن العمليات الارهابية لن تسقط الدولة، لكنها قد تصيبها بالإرهاق والإرباك وبالتالى تظل مصر، محلك سر، وغير قادرة على النهوض والتقدم. بل وتعيش رهينة لقوى أجنبية تتحكم بالريموت كونترول فى التنظيمات الارهابية، كما رأينا فى الحالة السورية.
العمليات الارهابية لن تسقط حكومة لكنها تصعّب حياة الناس العاديين، الذين سيزيد غضبهم على الارهابيين وليس العكس. هذه وصفة ومعادلة مجربة فى مصر، ولا يريد الارهابيون تصديقها.
ما حدث فى سوريا منذ عام 2011 يحتاج الآن قراءة هادئة، خصوصا حينما اكتشفنا أن إسرائيل كانت تدعم علنا بعض التنظيمات، التى تقول عن نفسها إنها إسلامية ومتطرفة.
ترى هل يدرك الإرهابيون أنهم مجرد دمى تحركها قوى كبرى؟!..
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع