بقلم: عماد الدين حسين
هل من المنطقى أنه عندما تقوم كتاجر للنفط ببيعه، فإنك بدلا من الحصول على مقابل مادى ما، تقوم بالدفع للمشترى؟!.
كثيرون لم يستوعبوا هذه المفارقة ليلة الإثنين الماضى، حينما هوت أسعار النفط الأمريكى أو خام غرب تكساس إلى سالب ٣٧ دولارا، أى أن مالك عقد النفط يقوم بدفع ٣٧ دولارا لكل برميل يبيعه!
كثيرون يسألون عن سر ما حدث ليلة الإثنين الماضى؟!
على ذمة خبراء البترول، فإن هناك انهيارا كارثيا حدث فى هذه الليلة فى بورصة النفط الأمريكية الآجلة. المضاربون على النفط أفرضوا فى شراء النفط الرخيص، بهدف تحقيق أرباح خيالية عبر تداوله على الورق، ومن دون وجود طلب حقيقى عليه. كان يفترض أن تنتهى عقود النفط الآجلة الخاصة بعقود شهر مايو صباح الثلاثاء ٢١ إبريل. ولذلك وكما يقول الخبراء، فإن من يملك العقد لابد أن يستلم كميات النفط الخاصة به، ويقوم ببيعها قبل صباح الثلاثاء.
المعضلة أن مخازن النفط الأمريكية ممتلئة بالنفط استغلالا لانخفاض أسعاره العالمية.
وبالتالى فإن من سيشترى هذا النفط لن يجد مكانا ليخزنه فيه، وحتى لو وجد المكان، فإن تكلفة التخزين ستكون مرتفعة للغاية، وهو أمر يصفه خبراء الاقتصاد بأنه «جنى للحصرم»، بدلا من جنى الأرباح !!.
أصحاب عقود مايو كان لابد أن يتخلصوا منها بأى طريقة قبل حلول صباح الثلاثاء، ولذلك حينما فشلوا فى ايجاد ذبون يشتريها، أو مخزن يخزنها، فإنهم اضطروا للخضوع لقوانين السوق التى لا ترحم، خصوصا بعد أن رفضت مصافى النفط الأمريكية شراء عقود مايو بسبب تخمة المعروض. وهكذا ظلت المضاربة مستمرة، حتى بلغ سعر البرميل سالب ٣٧٫٦٣ دولار. وللمرة الأولى فى التاريخ، يضطر البائعون للدفع للمشترين لأخذ عقود آجلة للنفط!!.
ما حدث فى هذه الليلة لم يكن عقودا ضخمة، بل ربما كميات رمزية، لكن كان لابد من تسويتها. فى حين أنه فى اليوم التالى «الثلاثاء» وحينما تم «تستيف» عقود نهاية الشهر، ارتفع سعر النفط الأمريكى من سالب ٣٧٫٦٣ دولار إلى ١٠٫٠١ دولار للبرميل، وتم تداول أكثر من مليونى عقد للخام الأمريكى، تسليم شهر يونيو، وهو أكبر تداول ليوم واحد للعقود الآجلة فى التاريخ.
فى هذه الليلة قال بعض المراقبين إن أسعار الذهب الأسود صارت مجانية أو شبه مجانية ولا تساوى حتى تكلفة استخرجها وشحنها، وقال البعض عن حق إن سعر المياه صار أغلى من سعر النفط.
هل هذا الكلام صحيح؟!.
نظريا نعم، لكن مرة أخرى فإن ما حدث على أرض الواقع ليس بهذه الصورة الدراماتيكية.
هناك أسباب كثيرة أدت إلى هبوط أسعار النفط خصوصا حرب الأسعار بين كبار المنتجين وبالأخص السعودية وروسيا، والحرب التجارية بين الصين وأمريكا، وتراجع الاستهلاك بفعل انتشار فيروس كورونا، وتزايد حجم المخزونات الأمريكية والعالمية.
لكن مرة أخرى غالبية العالم لا يستهلك نفط نايمكس، الذى انهار ليلة الإثنين. فى حين أن كثيرا من الناس يعتقدون أنه لا فرق بين أى نوع من النفط، وبالنسبة لهم «كله جاز أو بنزين»!.
خام غرب تكساس «نايمكس» يستخدم لتسعير عقود النفط فى أمريكا فقط، ويستخرج من آبار النفط فى الولايات المتحدة، وينقل عبر أنابيب لذا يعتبر محصورا فى النقل البرى فقط، وهو أخف من مزيج برنت.
فى حين أن غالبية العالم يتعامل مع خام برنت كخام قياسى لأنه الأوسع انتشارا، وبالتالى يعتبر المؤشر الرئيسى فى السوق العالمية.
برنت يتم استخراجه من ٤ حقول فى بحر الشمال، طبقا لتقرير على موقع «مصراوى»، وهو خام سهل النقل بحريا، ومثالى لاستخراج الزيوت والبنزين والمواد عالية الطلب الأخرى، وطبقا لتقديرات كثيرة فهو السعر المرجعى لثلثى النفط العالمى.
وسلة «أوبك» تضم ٧ نفوط والمنطقة العربية تتعامل أيضا مع نفطى دبى وعمان. لكن خام برنت صار هو المقياس العالمى تقريبا باستثناء أمريكا. ولذلك حينما يقال إن سعر برميل البترول وصل إلى مستوى كذا، فإنه يكون مقصودا به برنت.
السؤال الذى طرحه كثيرون هل ما حدث ليلة الإثنين بالنسبة للخام الأمريكى، يعنى أن من حق كل مواطن فى العالم أن يذهب إلى محطات الوقود ويطلب التزود بالبنزين مجانا، بل والحصول على مبلغ نقدى من المحطة؟!.
الاجابة بالطبع هى لا.. ومن الواضح أن كورونا لن تتوقف عن مفاجأتنا فى الفترة المقبلة.