بقلم: عماد الدين حسين
فى مارس ١٩٦٤، وفى حكومة على صبرى، كان الدكتور محمد عبدالقادر حاتم نائبا لرئيس الوزراء ويتولى حقيبة الإرشاد القومى «الإعلام» والثقافة والسياحة والآثار، أى أن وزيرا واحدا كان يتولى ٤ حقائب بمفهوم الأيام الحالية. ونعلم أن السياحة كانت مندمجة مع وزارة الطيران المدنى فى حكومات كثيرة.
المهندس إبراهيم المعلم قال لى أكثر من مرة فى السنوات الاخيرة، وقبل هذا التعديل، إنه فى بعض البلدان المتقدمة، هناك وزير واحد مسئول عن كل ما يندرج تحت عنوان «الصناعات الإبداعية»، مثل الثقافة والرياضة والشباب والآثار والمتاحف والاتصالات والسياحة، باعتبارها جميعا تقوم على فكرة المبادرة والإبداع، وهناك دول ليس بها وزارات لغالبية هذه القطاعات باعتبارها نشاطا حرا تقوم عليه إدارات صغيرة فى بعض الوزارات.
وبالتالى فإن القضية ليست أن تكون الوزارتان (السياحة والآثار) مدمجتين أم منفصلتين، ولكن السؤال الجوهرى هو: لماذا الدمج أو الفصل؟!.
الدكتور خالد العنانى وزير الآثار والسياحة، قال مساء الإثنين الماضى، عقب إدماج السياحة مع الآثار: «إن الدولة ارتأت أن التوقيت أصبح ملائما الآن لضم الوزارتين فى ظل المشروعات الكبرى التى تقوم بها الدولة مثل المتحف الكبير، وهناك تكامل بين الوزارتين، فهما وجهان لعملة واحدة، وأن ما تتميز به مصر بين سائر الدول هى آثارها الفريدة التى ليس لها مثيل».
وبالتالى فهناك وجهتا نظر، الأولى تؤيد الدمج والثانية الفصل، وكل واحدة لها حجج مختلفة وقوية، خصوصا فى ظل تشعُّب ملفات كل وزارة، وفى ظل التعقيدات والتشابكات خصوصا فى وزارة السياحة، التى تحتاج جهودا ضخمة ومستمرة، لجذب أكبر عدد من السائحين، ليس فقط لزيارة الآثار، ولكن لزيارة العديد من الأماكن الأخرى.
مصر صارت تجتذب ملايين السائحين الذين يذهبون للمقاصد السياحية المختلفة، خصوصا شرم الشيخ والغردقة والجونة، وهؤلاء لا يقصدون مشاهدة الآثار، بل الاستمتاع بالجو المشمس هربا من صقيع أوروبا وآسيا وأمريكا.
النقطة الجوهرية، هى النتائج التى ستتحقق على الأرض، وليس الدمج أو الفصل، لأن السياست المتبعة، والرؤية والفلسفة، هى التى ستحكم على نجاح التجربة من عدمه.
الفكرة نفسها يمكن تطبيقها على ضم وزارة الاستثمار، وقطاع الإصلاح الإدارى، إلى رئيس مجلس الوزراء، الدكتور مصطفى مدبولى، وفى مقال الثلاثاء الماضى، تساءلت عن الحكمة من وراء ذلك الضم.
يوم الخميس الماضى قابلت رئيس الوزراء فى مكتبه بصحبة بعض الكتاب ورؤساء التحرير، وقال الرجل إن هيئة الاستثمار، ستتولى تصريف العمل اليومى، وهى كانت تابعة لمجلس الوزراء معظم الوقت، وإن هناك تشابكات ونزاعات كثيرة بين الوزارات والمؤسسات المختلفة، وبينها وبين المستثمرين المصريين والاجانب، ما يعيق مهمة أى وزير للاستثمار، لذلك رأينا ضمها لسلطة أعلى تتخذ قرارات سريعة وحاسمة.
ظنى الشخصى أن فصل قطاع الإصلاح الإدارى عن وزارة التخطيط، كان مهما، لأن هذا الملف صار متضخما، ويحتاج إلى عمل جاد ومستمر ودءوب وتفرغ كامل، خصوصا أنه متداخل مع العديد من الملفات والمؤسسات والوزارات الأخرى، وبالتالى كان يفترض أن تكون هناك وزارة أو مؤسسة أو هيئة مستقلة تقوم على أمر هذا الملف. لكن انتصرت وجهة النظر الثانية التى ترى أن هذه التشابكات، تستلزم أن يكون الملف تحت إشراف رئيس الوزراء شخصيا، حتى يتمكن من حسم وفض التشابكات، كما هو الحال فى ملف الاستثمار.
مرة أخرى، فإن من حق الناس أن تسأل فى كل التفاصيل حتى تطمئن. خصوصا أن رئيس الوزراء يفترض أن يتحلل من المسئوليات والمهام الكثيرة، كى يتفرغ لوضع الرؤى والسياسات والأفكار للوزارات والهيئات المختلفة. لكن مدبولى رد على هذه النقطة أيضا، وقال إن البعض يلومه ويقول إن رئيس الوزارء عليه أن يهتم لوضع الخطط والاستراتيجيات، لكن التجربة علمته «ضرورة الدخول فى التفاصيل»، وكثير من المشاكل الكبرى تحدث بسبب موظف صغير أو تردد مدير أو تعنت لجنة!!. ثم إن رئيس جهاز التنظيم والإدارة سيمارس عمل الوزير فى هذا الشأن.
مرة أخرى، الأمر الجوهرى، ليس وجود وزارة أو هيئة أو مؤسسة أو مجلس أعلى لهذه الوزارة أو تلك، ولكن ما هى الرؤية والسياسات العامة والإرادة السياسية القادرة على ترجمة الأفكار إلى واقع ملموس على الأرض، يشعر به الناس جميعا، ووجود كفاءات إدارية قادرة على قيادة دفة هذه الوزارات فى ظل التحديات الصعبة التى تواجه مصر فى أكثر من مجال.
كل التوفيق للحكومة، والوزراء الجدد، فى مهمتهم الصعبة جدا، والعبرة فى النهاية بالنتائج المتحققة على الأرض.