بقلم: عماد الدين حسين
كيف زادت عشوائيات الإسكان والتعديات على أراضى الدولة والبناء المخالف، بهذه الصورة للدرجة التى دفعت الرئيس عبدالفتاح السيسى للمطالبة بالقبض على المخالفين حتى يكونوا عبرة لغيرهم؟!.
الإجابة هى: بسبب الزواج الحرام بين المخالفين وقطاع كبير فى المحليات خلال العقود الخمسة الأخيرة، وبالتالى فإن بداية الحل هى وقف هذه العلاقة الحرام والطلاق القسرى بينهما.
لمن لا يدرك حقيقة المشهد، عليه أن يجرب السير فى غالبية شوارع مصر التى تم بناؤها فى العقود الأربعة أو الخمسة الماضية، وباستثناءات قليلة جدا فى بعض المدن الجديدة، فإن الأصل فى المبانى المصرية كان هو العشوائية. جربوا أن تسيروا فى أى شارع جانبى فى «يمين فيصل» حتى امتداداته إلى الدائرى، أو «شمال الهرم» أو المسافة المحصورة بين شارع السودان بالجيزة وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى، أو فى منشية ناصر، أو فى العديد من الشوارع المشابهة فى المحافظات المختلفة، وسوف تكتشفون أن العشوائية هى الأصل، والتنظيم هو الاستثناء.
وهذه الظاهرة لا يمكن أن نحملها للأفراد المخالفين فقط، بل الأصل أن نحملها للجهة التى سمحت لهم بذلك.
يصعب وجود بناء مخالف من دون وجود مستفيد فى جهة مسئولة من هذا البناء.
الرئيس السيسى قال يوم الخميس الماضى خلال افتتاح مشروع «بشاير الخير ٣» بالقبارى بالإسكندرية، إنه لو تم القبض على المخالفين وسجنهم ومحاكمتهم، فسوف يرتدع الآخرون فورا، وطالب جميع المسئولين من المحافظ إلى مدير الأمن والمأمور وكل من له سلطة فى المحليات بأن يمارس صلاحياته لوقف هذه الظاهرة الخطيرة التى اعتبرها فسادا فى الأرض، وأنه لا يمكن الحديث عن القضاء على العشوائية من دون القضاء على المخالفات وبدء التخطيط، ولذلك كان قرار وقف البناء حتى تتمكن المحليات ومعها أجهزة معاونة من التخطيط الصحيح.
ما الذى كان يمنع المسئولين من التعامل مع المخالفات والبناء غير المرخص بالصورة الصحيحة طوال العقود الماضية؟!.
أسباب كثيرة، لكن السبب الأكبر هو الفساد الذى ضرب المحليات فى مصر خصوصا فى العقود الثلاثة التى حكم فيها الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
من لا يصدق ذلك عليه فقط أن يراجع كيف تم بناء غالبية العمارات خصوصا فى القاهرة الكبرى، وكيف كان يمكن للمالك أن يبنيها على أرض للدولة ومن دون ترخيص وبأدوار مبالغ فيها، بل وبعد أن يرتكب كل هذه الجرائم، ينصب على المواطنين ويبيع الشقق لأكثر من شخص، وإذا قررت جهة محاسبته فهناك «الكحول» الجاهز لكى «يشيل الليلة» مقابل مبلغ معلوم!!.
هذا المخالف كان يدفع لشخص ما فى الحى أو فى أى مكان حتى يرتكب جريمته، ومع تنامى واستشراء الظاهرة فإن الشرفاء فى المحليات وأجهزة الأمن كانوا يجدون أنفسهم أقلية وسط بحر الفساد متلاطم الأمواج.
قد يسأل البعض وما الذى دعا الرئيس إلى ضرورة إشراك جهات أخرى فى إصدار تراخيص البناء، إضافة للمحليات؟!
الإجابة بسيطة وهى أن تجربة العقود الماضية تقول إن المحليات فشلت فشلا ذريعا فى ضبط وتنظيم وتنفيذ المبانى بالطريقة الصحيحة، وبالتالى كانت دعوة الرئيس لضرورة موافقات إضافية من مدير الأمن وقائد المنطقة العسكرية ومكاتب هندسية من الجامعات، حتى نضمن عدم وجود فساد فى إعطاء الرخصة، وحتى نضمن التزام المواطنين بالبناء طبقا للمخطط الموضوع من قبل الجهات المختصة.
السؤال الجوهرى مرة أخرى: هل يمكن أن يتم تنفيذ ذلك على أراض الواقع؟!
نظريا الإجابة نعم ولكن بشروط مهمة أولها وجود سياسة رادعة ضد المخالفين، وأن يطال الردع أولا المسئول الفاسد، الذى أعطى الرخصة المخالفة، وهذا يتطلب متابعة ومراقبة ومحاسبة لكل مسئول يتعامل مع هذا الملف.
ثانيا: أن تكون هناك تشريعات واضحة وقوية وبلا ثغرات للتعامل مع هذا الملف، بحيث نضمن محاربة الفساد بأكمله، وليس بعض المفسدين، الذين يهتم بهم الإعلام بضعة أيام، ثم «تعود ريما لعادتها القديمة»!!
ثالثا: أن يتم إعادة النظر فى كامل فلسفة عمل المحليات من أول الموظف الذى يتقاضى رشوة ثم يذهب لأداء صلاة الظهر، نهاية ببعض التشريعات التى تشجع الفساد وتحميه.
رابعا: ارتباطا بالنقطة السابقة علينا أن نطلع على تجارب الدول الأخرى وبعضها موجود فى منطقتنا، حتى نستطيع أن نفصل بين مقدم الرخصة ومن يقوم بتقييمها.
لو تحقق الردع كما تحدث عنه رئيس الجمهورية يوم الخميس الماضى، وتم تطبيق القانون على الجميع، فقد نشهد بدء نهاية هذه الظاهرة.
السؤال الاخير: هل تستسلم الحيتان الكبيرة التى استفادت من أزهى عصور الفساد لذلك أم أنها ستسعى لاستمرار الأوضاع كما هى؟!