بقلم :عماد الدين حسين
لو أن هناك درسا ينبغى تعلمه من أحداث الأيام الماضية، فهو ضرورة أن تبذل الحكومة كل جهودها لتحسين حياة الغالبية العظمى من المواطنين، حتى لا يتحولوا إلى وقود فى محرقة الجماعات الارهابية. سيقول قائل، وهل تلغى الحكومة برنامج الإصلاح الاقتصادى حتى يرضى عنها الناس وتتوقف ماكينة التحريض والإشاعات والأكاذيب؟!
الإجابة بالطبع لا، فبرنامج الإصلاح الاقتصادى مهم جدا ينبغى استكماله رغم كل آثاره السلبية، لكى يقف الاقتصاد المصرى على قدميه، وينطلق للأمام، لكن شرط ان يتم تنفيذه باكبر قدر من الضمانات حتى لا يتسبب فى دمار بيوت غالبية المصريين.
والسؤال الجوهرى: هل هناك وسيلة لتحقيق هذه المعادلة. أى استكمال برنامج الإصلاح، وفى نفس الوقت تحسن حالة الناس الاقتصادية؟!
أولا: وفى كل الأحوال فهناك أعراض جانبية لبرنامج الإصلاح، وستترك ندوبا على أجساد ووجوه غالبية الناس، حتى لو تم تنفيذه باكبر قدر من الحرفية والكفاءة، لان جوهر البرنامج سيقود إلى ضرر بعض الفئات.
ثانيا: إحساس الناس بثمار الإصلاح سوف يأخذ وقتا ربما يستغرق سنوات، وبالتالى فاعتقاد البعض ان الثمار الايجابية سوف تأتى بعد شهرين او سنتين كلام غير منطقى بالمرة، وهدفه تعويد الناس على الصبر.
ثالثا: صبر الناس بدأ يقل، بفعل ما يطالعوه من أخبار وصور وفيديوهات ليل نهار وهو امر منطقى فى ظل دور وسائل التواصل الاجتماعى، التى تنقل الاحداث اولا باول، اضافة إلى الشائعات والاكاذيب.
وبالتالى فالمنطقى توقع أن تقوم أى جماعة معارضة سواء كانت سلمية او ارهابية، باستغلال هذه الأوضاع، لكى تنفذ من ثغرتها لتحقق أهدافها. إذا القاعدة هى أنه طالما هناك مشكلة اقتصادية اجتماعية ضاغطة، فإن المعارضين والإرهابيين والمتربصين والمتآمرين فى الداخل والخارج، سوف يستغلوها طوال الوقت، لتحقيق أهدافهم.
قبل أيام استشهدت فى هذا المكان برأى خبراء ومعلقين يقولون إن المعركة الأمنية مع الارهابيين لم تنته بعد، فهم يحاولون إنهاك الدولة وأجهزتها، وهم اعترفوا بذلك علنا، وبالتالى فلا يمكن القول إن هناك مفاجأة فى ذلك.
الطبيعى أن الجانب الأمنى يمكن لأجهزة الأمن أن تحسمه مع الإرهابيين، لكن التعامل مع المشكلة الاقتصادية والاجتماعية ليس من العدل أن نحمله لأجهزة الأمن، بل ينبغى على السياسة أن تمارس دورها ووظيفتها للتعامل معها. وأقصد بالسياسة الحكومة ووزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها المختلفة.
مرة أخرى الأوضاع الاقتصادية صعبة، ولن تصبح وردية فى غمضة عين، أو بقرار فورى، وبالتالى فالسؤال هو: ما الذى سيجعل الناس يتحملون ويصبرون ولا يندفعون خلف أى شخص قد يلعب بعواطفهم ومشاكلهم، وقد يكون متآمرا ومدفوعا بقوى خارجية؟!
أحد أفضل المفاتيح لذلك أن يشعر الناس أن هناك حربا حقيقية على الفساد خصوصا ضد الحيتان الكبار، وليس البسارية الصغيرة. وأن يتم إلغاء التشريعات المشجعة على الفساد وليس فقط محاكمة بعض الفاسدين. وأن نضمن وجود مساواة، أن القانون سيطبق على الجميع. وأن التقشف لن يكون قاصرا على الغلابة فقط، بل سيتحمله الجميع، خصوصا فئة القادرين.
لو حدث كل ذلك، او حتى بعضه، فسوف تصل هذه الرسالة لعموم الناس، ووقتها سوف يتحملون أى وضع مهما كان صعبا، لكن العكس سيكون كارثيا، بمعنى أنه لا يمكن توقع صبر الناس وتفهمهم، إذا رأوا مظاهر سفه وإنفاق مبالغ فيه، فى بلد صار ثلث سكانه تحت خط الفقر.
مرة اخرى إذا حدث ذلك، فإن تقبل الناس لأى صعوبات سيكون كبيرا، والعكس صحيح.
السؤال الأخير هو: ما هى الخطوات التفصيلية التى يمكن أن تتخذها الحكومة، للقضاء على الثغرة التى يمكن أن تنفذ منها التنظيمات الارهابية، ومنع الناس العادية من الوقوع فيها؟!