بقلم: عماد الدين حسين
«حينما احترقت كنيسة نوتردام فى فرنسا قبل شهور، انتفضت فرنسا وغالبية أوروبا وبعض العالم، وحينما بدأت الحرائق غير المسبوقة فى غابات الأمازون فى البرازيل أخيرا صمت العالم أجمع». ما سبق ليس كلامى، ولكنه ملخص ما جاء على صفحة «برنامج الأمازون العالمى للطبيعة» قبل أيام قليلة.
كان من المفترض، أن ينتفض العالم أجمع لمواجهة حرائق غابات الأماوزن، لأنها تؤثر بصورة مباشرة على كل فرد على هذا الكوكب، لكن الواقع كان مخيبا للآمال.
بالأمس تحدثنا عن أبرز المتورطين المباشرين وغير المباشرين فى هذه الحرائق من أول الرعاة والمزارعين والمطورين العقاريين والباحثين عن استغلال أرض الغابات مرورا بالرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى انسحب بصورة سافرة من اتفاق باريس الذى يكافح التغير المناخى، نهاية بالرئيس البرازيلى بولسونارو والقوى واللوبيات التى انتخبته فى أكتوبر الماضى.
واليوم نسأل: من الذى يستطيع أن يقنع أو يجبر الحكومة البرازيلية والرئيس بولسونارو على مواجهة هذه الكارثة بجدية، وتغيير مجمل السياسات التى تؤدى عمليا إلى زيادة اندلاع الحرائق بصورة دورية؟!.
استمرار المظاهرات والاحتجاجات فى عدة مدن برازيلية، وكذلك فى العديد من مدن العالم، أمام سفارات وقنصليات البرازيل بالخارج، وكذلك الحملات الدولية المختلفة مثل «أنقذوا الغابة» أمر فى غاية الأهمية لأنه سيجعل القضية حاضرة.
من المهم أيضا استمرار الموقف الدولى الرافض للسياسات الحكومية البرازيلية خصوصا من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وغيرها. صحيح أنه لن يؤدى لشىء ملموس، لكنه سيجعل الضغط على بولسونارو مستمرا.
وبجانب هذه المواقف المعنوية، فإن ما سيجبر البرازيل على تغيير موقفها هو أن تصل إليها رسالة بأنها ستخسر كثيرا إذا استمرت غير مكترثة للحرائق.
فى داخل البرازيل فإن هناك قوى سياسية وقفت فى وجه سياسات بولسونارو وفى مقدمتها المعارضة اليسارية، ثم زعيم السكان الأصليين راونى ميتوكيترى الذى اتهم بولسونارو بتدمير الغابات ودعا المجتمع الدولى إلى مساعدة بلاده فى «التخلص من الرئيس بأسرع وقت ممكن».
هناك أيضا أكثر من ١٨٨ منظمة غير حكومية، اتهمت بولسونارو بعدم المسئولية، وأن سياساته تسببت فى اشتعال الحرائق، هو اتهم المنظمات بأنها من أشعلت الحرائق لإحراجه، وعندما طالبوه بالدليل، قال إنه لم يكن يتحدث عن أدلة محددة، بل مجرد شكوك!.
فى داخل البرازيل أيضا، فإن قطاع الزراعات الصناعية، وجمعيات مصدرى اللحوم بدأ فى الضغط على بولسونارو، لكى يغير سياسته خوفا من فرض عقوبات دولية على الاقتصاد البرازيلى، وبالتالى خسارتهم الفادحة.
ومن الداخل إلى الخارج، فقد كانت هناك مواقف دولية محترمة وأخلاقية، والأهم أنها عملية وقادرة على التأثير والتغيير.
وأفضل المواقف العملية على الإطلاق هو ما هدد به الاتحاد الأوروبى، حينما قال بوضوح للحكومة البرازيلية إنه سيوقف ويجمد وينهى الاتفاق التجارى مع مجموعة الميركسور التى تضم البرازيل وبعض دول حوض الأمازون، إذا لم يتم اتخاذ خطوات عملية جادة توقف الحرائق وانتشارها، علما بأن هذا الاتفاق يتم التفاوض عليه منذ عشرين عاما.
فى نفس هذا الاتجاه كان موقف أيرلندا الواضح بأنها ستسعى لتعطيل الاتفاق التجارى، إذا لم تسارع برازيليا للتحرك بجدية، أيضا كان موقف الحكومة الفنلندية غاية فى الاحترام، حينما دعت العالم إلى عدم استيراد اللحوم من البرازيل حتى يتم وقف الحرائق تماما.
إذا وكما فهمنا من مجريات الأيام الماضية، فإن ما سيوقف بولسونارو وتياره اليمينى المتعصب هو أن تصله رسالة واضحة بأن هذه السياسات التدميرية للغابات وللكوكب لن تمر من دون عقاب، حينما تتوقف دول مختلفة عن استيراد اللحوم وغيرها، أو تجمد الاتفاقات التجارية، مع البرازيل فسوف يتحرك بولسونارو بجدية أكبر.