بقلم: عماد الدين حسين
كالعادة ضيعت جماعة الإخوان فرصة ذهبية، كان يمكن أن تساهم فى ترميم صورتها المنهارة أمام الرأى العام المصرى والعربى، والإسلامى.
انتشار فيروس كورونا فى العالم أجمع، كان فرصة لا تعوض لإنهاء أو تأجيل كل الخلافات والصراعات.
كان يمكن للجماعة أن تقدم خطابا مختلفا خلال الأزمة، يكون أساسه الجانب الإنسانى. وتصدر بيانا تقول فيه إنها قررت تجميد خلافاتها مع النظام وطلبت من عناصرها التطوع لمساعدة الدولة والمجتمع للبحث عن حلول للأزمة، أو تقليل آثارها.
الذى حدث كان عكس ذلك تماما.
الخطأ الجوهرى الأكبر الذى وقعت فيه الجماعة وإعلامها، أنها تعاملت مع الفيروس باعتباره مرضا ظهر فى مصر فقط، وأن النظام هو الذى اخترعه فى مختبراته ونقله للعالم، حتى قبل أن تعلن مصر وقوع إصابات بها أصلا.
الخطأ الثانى أن إعلام الإخوان ظل يلح على أن الحكومة المصرية لا تعلن أرقام المصابين الفعلية، من دون أن يقدموا هم ما يثبت صحة كلامهم. وبالتالى كان من حق الحكومة المصرية اتهام هذه الجماعة بأنها لعبت دورا شريرا فى تشويه صورة مصر لدرجة دفعت بعض البلدان لوقف استقبال المصريين وكذلك رحلات الطيران. فى حين أن هذه الدول لم تكن فعلت ذلك مع بلدان ثبت فعليا أنها بؤرة خطيرة للوباء مثل إيران!.
الخطأ الثالث أن إعلام الجماعة أو الممول من دول تدعمها، لم يكن له من هم سوى الادعاء بأن المرض أصاب كبار المسئولين المصريين. لم يمارس هذا الإعلام الحد الأدنى من القواعد المهنية، كى يعرف أن المسئولين الذين ذكرهم كانوا يعقدون اجتماعات شبه يومية.
وإذا افترضنا أن بعضهم أصيب، فما هو العيب فى ذلك، ألم يصب كبار المسئولين فى العالم أجمع؟.
الخطأ الرابع أن إعلام الجماعة وبدلا من أن يدعو أنصاره للابتهال إلى الله، أن يزيح هذا الوباء والبلاء عن المصريين، عبر الدعاء سرا فى بيوتهم، فقد ارتكب الخطأ الأسوأ بدعوتهم للنزول إلى الشارع والتظاهر ضد كورونا!.
هذا الأمر هو دعوة صريحة لإلقاء الناس فى التهلكة التى نهانا عنها الله سبحانه وتعالى!.
نسى إعلام الجماعة تماما أن الفيروس عالمى، وأن حجم الإصابات فى مصر ربما يمكن اعتباره متوسطا قياسا إلى دول أخرى كثيرة. هذا الإعلام الإخوانى لم يتحدث مثلا عن خطورة الفيروس فى تركيا التى أصيب فيها حتى ظهر الجمعة الماضى ٣٦٢٩ شخصا وتوفى نحو ٧٥ شخصا. أو قطر التى أصيب فيها ٥٤٩ رغم أن عدد سكانها لا يزيد على ٣٪ من سكان مصر التى لم يتجاوز عدد الإصابات فيها ٤٩٥ حالة، والوفيات ٢٤ حالة.
لا أقارن بين دول وأدعو الله أن تتمكن الحكومتان التركية والقطرية وسائر دول العالم من التغلب على هذا الوباء اللعين، لكن أتحدث عن المناكفة والمكايدة التى صارت أقرب إلى الفيروس الذى ضرب الإعلام الإخوانى.
إعلام جماعة الإخوان يطالب ليل نهار بالإفراج عن كل المسجونين. والعبدلله كتب فى هذا المكان: أحيى قرار الحكومة المصرية بالإفراج عن بعض النشطاء السياسيين. وناشدت الدولة بإطلاق المزيد طالما أن ذلك لا يمثل خطورة بغض النظر عن انتماءاتهم.
سؤالى للجماعة وإعلامها: ما الذى سيدفع السلطات المصرية لإطلاق سراح سجناء الإخوان، فى حين أن الشاغل الوحيد لإعلام الجماعة هو تشويه الدولة والحكومة والنظام ليل نهار بالحق وبالباطل؟!!.
الخطأ الأكبر الذى تقع فيه الجماعة دائما، أنها ماتزال أسيرة ليوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣ حينما ثار عليها غالبية المصريين، ومساء ٣ يوليو ٢٠١٣، حينما تم إخراجها من المشهد السياسى.
من حق الجماعة أن تعارض الحكومة والنظام وألا تنسى ما حدث، لكن أن تعيش كل حياتها فى هذه الدوامة، فهو ضد كل منطق. السياسة هى فن التعامل مع المعطيات الراهنة. هى ليست مباراة صفرية، يكسب فيها طرف كل شىء ويخسر الطرف الآخر كل شىء.
نصيحتى المخلصة لهذه الجماعة وإعلامها، أن تبحث عن بداية جديدة ومختلفة، وأن تعيد تقييم نفسها وسياساتها وأفكارها وأدواتها وإعلامها.
يفترض أن تكون الجماعة قد وصلت إلى أن سياسة المناكفة والمكايدة قد فشلت فشلا ذريعا طوال السنوات السبع الماضية، وبالتالى حان وقت تجريب أدوات أخرى.
هل معنى كلامى أن أداء الحكومة المصرية خلال الأزمة كان مكتملا؟!. بالطبع لا، وهناك أخطاء ونقص موارد. لكنها مشاكل موجودة فى العالم كله بما فيها دول كبرى تقول إن نظامها الصحى الآن يقترب من الانهيار.
أتمنى أن يكون فشل جماعة الإخوان فى التعامل مع أزمة كورونا هو الفشل الأخير لهم، وألا يكرروا خطأ سيزيف القاتل فى الميثولوجيا الإغريقية الشهيرة حينما كان يحمل الصخرة من أسفل الوادى إلى أعلى الجبل المدبب، فتسقط منه فينزل ليحملها، ويصعد بها، فى عذاب أبدى لا يتوقف!!.