بقلم: عماد الدين حسين
بالأمس كتبت تحت عنوان: لماذا يندهش بعضنا من خطة ترامب بشأن خطته للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكأنهم اكتشفوا جديدا، واليوم أسأل مجددا ومندهشا: لماذا يندهش بعض العرب من موقف بعض الحكومات العربية من الخطة، وكأنهم اكتشفوا شيئا خطيرا؟!
رأى غالبية من أعرفهم من زملاء وأصدقاء فى مهنة الصحافة أو العمل العام هو أن الحكومات العربية تخلت فعليا عن القضية الفلسطينية ولم تعد قضيتهم المركزية منذ زمن طويل. وبالتالى فالمفترض أن هؤلاء الزملاء، لا يندهشون من مواقف غالبية الحكومات العربية، حينما تتخذ مواقف باهتة من قضية صفقة القرن. ومثلما أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب شديد الصراحة والوضوح فى انحيازه لإسرائيل، منذ أن كان مرشحا فى الانتخابات، فإن عددا لا بأس به من الحكومات العربية المؤثرة لم يعد يخفى موقفه الجديد والغريب من إسرائيل.
إحدى النتائج الاستراتيجية لتداعيات الربيع العربى عام ٢٠١١ والصدامات بين الحكومات وقطاعات واسعة من المواطنين، ثم الحروب الأهلية والعرقية والطائفية والمذهبية، والأهم الصراع الإيرانى الخليجى، هو أن بعض الحكومات العربية لم تكتف فقط بعلاقة التبعية مع الولايات المتحدة، بل بدأت تجاهر بالتقارب مع إسرائيل، فى مواجهتها مع إيران.
سمعنا وقرأنا وعرفنا فى السنوات الأخيرة عن تقارب بين إسرائيل وحكومات عربية متعددة، كانت ذروتها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو لسلطنة عمان، ولقاءه مع السلطان الراحل قابوس بن سعيد العام الماضى.
وكذلك زيارات للعديد من المسئولين الإسرائيليين لبعض الدول العربية التى لا تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
ثم عرفنا أن التطبيع تجاوز الكلمات المعسولة والنوايا الطيبة، إلى لقاءات وخلوات تعاون وتنسيق، قد يقود قريبا إلى مشروعات تعاون مشترك، تحدث عن بعضها إسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلى، والذى شغل لفترات طويلة ملف الاستخبارات والنقل.
عدد من الحكومات العربية اقترب من إسرائيل، خوفا من إيران، وإذا كنا نلوم هذه الدول العربية على الاقتراب من الشيطان، فإنه لا يمكن إعفاء إيران من المسئولية، بسبب سلوكها المهيمن والتوسعى.
دول أخرى اقتربت من إسرائيل ليس بسبب إيران، ولكن طلبا للقرب من الولايات المتحدة، ودول أخرى قررت عدم التصعيد مع إيران، لأن لديها ملفات داخلية ساخنة، خصوصا مع الإرهاب والتطرف. وحكومات أخرى لا تحب إسرائيل لكنها مضطرة للتعامل معها لأنها لا تستطيع مواجهتها فى الوقت الحالى. ودول أخرى انسحبت من المواجهة مع إسرائيل لأنها غارقة فى مواجهات مع قوى متطرفة وإرهابية علما أنه ثبت أن إسرائيل كانت تدعم الإرهابيين فعليا كما حدث فى سوريا.
النتيجة النهائية لكل هذه الحالات مع اختلاف درجاتها أن غالبية الدول العربية لم تعد تتعامل مع القضية الفلسطينية، باعتبارها قضية العرب المركزية، وهؤلاء عندما كان الفلسطينيون يعاتبونهم على موقفهم كانوا يرفعون شعار: «اذهب انت وربك فقاتلا.. انا ها هنا قاعدون»!.
إذا كان هذا هو حال غالبية الحكومات العربية، فلماذا اندهش البعض من موقفها من خطة أو صفقة القرن؟!.. وعلى ماذا كانوا يراهنون؟! ولماذا اندهش بعضهم من عدم إعلان هذه الحكومات النفير العام وإعلان حالة الحرب ضد إسرائيل أو على الأقل قطع العلاقات معها. ظنى الشخصى أن هذه الحكومات كانت صادقة مع نفسها، حينما أيدت صفقة القرن، ولم تظهر موقفا واضحا ضدها، واكتفى بعضها ببيانات باهتة حينا وساخنة أحيانا لكنها لن تتعدى درجة البيانات!!
وبالتالى وإذا كنا جميعا مدركين أن هذا هو موقف هذه الحكومات، فلماذا ما يزال البعض مندهشا من ذلك، وكأنه كان يعتقد أن هذه الحكومات يفترض أن تعلن الكفاح المسلح ضد إسرائيل وأمريكا؟!