بقلم: عماد الدين حسين
«لم تعد هناك إمكانية لحلول الأرض.. وننتظر حلول السماء»
هذه العبارة تم تناقلها قبل أسابيع قليلة بسرعة جنونية فى غالبية مواقع التواصل الاجتماعى، خصوصا العربية والإسلامية، منسوبة إلى رئيس الوزراء الإيطالى جوزيبى كونتى، للتدليل على يأس الرجل وشعبه من حجم الإصابات والوفيات التى تجتاح إيطاليا بفعل تفشى فيروس كورونا.
المفاجأة أن رئيس الوزراء الإيطالى لم يقل هذه العبارة من قريب أو بعيد، لكن كثيرين يصرون على ترديدها، وكأنها حقيقة. والأغرب أن رئيس الوزراء التونسى إلياس الفخفاخ كرر نفس العبارة خلال خطابه أمام البرلمان التونسى مساء الخميس ٢٦ مارس الماضى.
هذه العبارة ذكرتنى بالعديد من العبارات التى نسبها الإعلام العربى للعديد من المسئولين الغربيين بالعبارة، حتى لو كانوا هم ومن جاء بعدهم يطبقون جوهر هذه المقولات والعبارات، والمفارقة أن بعض الإعلاميين المصريين والعرب ما يزالون يكررونها ليل نهار!!.
لا أعلم لماذا يصر بعض الإعلاميين العرب على نسبة مقولات لمسئولين غربيين لم يقولوها فى حين أن هؤلاء المسئولين يرتكبون بحق الأمة العربية ما هو أبشع من هذه المقولات اللفظية؟!!.
السوشيال ميديا، ورغم الدور الكبير الذى تلعبه فى تحقيق التواصل الاجتماعى، لكنها لعبت الدور الأكبر فى ترويج الأكاذيب والخزعبلات والخرافات.
وإذا كان ممكنا أن يقع المواطن العادى وغير الواعى فى فخ الأخبار الكاذبة، فهل يعقل أو أن يقع فيها رئيس وزراء بلد مثل تونس، وأين مساعدوه الذين يفترض أن يراجعوا ويدققوا كل كلمة وعبارة قبل أن ينطبق بها؟!.
من دون وسائل التواصل الاجتماعى ما كان يمكن لمثل هذه التخاريف أن تنتشر بهذه الطريقة الواسعة. وجاءت الهستيريا والهلع من انتشار كورونا، لتخلق مناخا يزيد من حجم الشائعات.
هذا المناخ يعرض كل الحريات والمظاهر الديمقراطية للخطر، فالأخبار الكاذبة يمكن أن تكون ذريعة للقضاء على ما تبقى من هامش حرية الكلمة فى العالم العربى!».
هذا استنتاج صحيح، فبعض الحكومات تخشى فى هذه الأوقات الصعبة جدا التى تعيشها بفعل تفشى كورونا، من أن تؤدى بعض الشائعات إلى إحداث حالة كبيرة من الهلع والقلق بل والاضطراب.
أحد مواقع الأخبار الأوروبية قال إن مروجى الأخبار الكاذبة يحاولون استغلال الانشغال الإعلامى بكورونا لنشر الأوهام وبث الرسائل المغرضة التى تضع المتلقى فى تيه جديد.
فى المغرب اعتقلت سلطاتها سيدة فى مدينة فاس ادعت عدم وجود فيروس كورونا، وفى تونس تم إيقاف بث قناة «التاسعة» ثلاثة أشهر، لأنها انتهكت خصوصية مواطنين وصورتهم وهم فى الحجر الصحى.
وفى المغرب أيضا تم اعتقال شيخ سلفى وظهر فى فيديو يحض فيه الناس على العنف والكراهية، وتسفيه مجهودات الحكومة لمكافحة كورونا.
وهناك بلاغات ضد مدونة مصرية دعت المواطنين إلى التمرد على حظر التجول.
وهناك بلاغ آخر يتهم ممثلة مصرية بتكدير الأمن والسلم العام، لأنها ادعت إصابتها بكورونا وأن أحد المستشفيات الحكومية لم يتعامل معها بصورة جيدة ثم تبين أن هذه الممثلة لم تصب أصلا بالفيروس.
وفى مصر أيضا أعلنت النيابة العامة أنها ستعاقب مروجى الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة حول كورونا. بالحبس وغرامة قدرها ٢٠ ألف جنيه.
كيف يمكن التغلب على هذه الآفة الخطيرة أى الأخبار الكاذبة؟!
حسب دراسة لجامعة روتغرو بولاية نيوجيرسى، فقد خلصت إلى أنه على مستخدمى السوشيال ميديا إدراك أن الأخبار الكاذبة تنشر بسرعة ولذلك عليهم توخى الحذر قبل إعادة نشرها. وعلى المتلقى إدراك أن حضوره الدائم على منصة معينة سيحد إلى درجة كبيرة من تصوراته عن الأشياء وسيصبح أكثر قبولا للأخبار الكاذبة، وبالتالى فالحل هو تنويع المنابر الإعلامية. وحينما نشخص قصة مفبركة علينا أن نثقف الآخرين عنها وأن نكون فاعلين فى وقف انتشار الأخبار الكاذبة.
السؤال الجوهرى الذى يحتاج إلى إجابة معمقة هو: ما الذى سوف يكسبه الناس من ترويج مقولة على لسان رئيس وزراء إيطاليا؟.. وهل نحن فى حاجة للإيمان أكثر بقوة بالله حتى نفبرك تصريحات على لسان كونتى؟!.