بقلم: عماد الدين حسين
بما أن الرياضة عموما، وكرة القدم خصوصا صارت موضوعا يهم غالبية الناس، وبالتالى لم تعد شأنا مقصورا على كتاب ونقاد الرياضة. فسوف أتناول المسافة التى تربط الرياضة بالسياسة أو بما يهم المجتمع، لكن لن أزاحم النقاد فى تخصصهم الفنى الدقيق مثل طريقة اللعب وتحليل الأداء، ومستويات اللاعبين.
أحد الموضوعات المهمة، والتى أرى أنها تحتاج إلى نقاش مجتمعى شامل هو «النقد والإعلام الرياضى فى مصر». ظنى الشخصى أنه يمر بأزمة طاحنة، وتكاد تكون سببا أساسيا فى المشكلة التى تعانى منها الرياضة عموما، وكرة القدم المصرية خصوصا.
أعرف أن البعض سيسارع لاتهامى بأننى أعمل بمنطق «إذا وقعت البقرة كثرت سكاكينها»، أو أننى لا أستطيع أن أهاجم هذه الجهة أو تلك، ولا أجد إلا هؤلاء لكى أنتقدهم.
ولهؤلاء أقول إن مشكلة الرياضة شاملة، وتتحملها جهات كثيرة منها الأجهزة الحكومية. لكن اليوم سأركز فقط على دور النقد الرياضى، وبعده سأحاول تناول دور بقية الجهات.
أعرف أيضا أنه يصعب التعميم فى أى شىء، وأدرك وأقر بأن هناك نقادا رياضيين مهنيين جدا، أعرف بعضهم معرفة وثيقة وأكن لهم شديد الاحترام، لكن للأسف فإن فساد المنظومة الرياضية، لا يجعلنا نراهم كثيرا.
المفترض أن الوظيفة الأساسية للنقد الرياضى هى أن يكشف للرأى العام العيوب والأخطاء أولا بأول ليتم علاجها مبكرا.
والمفترض أن يخبرنا النقد الرياضى وبصورة مهنية هل هذا اللاعب أو الفريق أو التشكيل جيد أم لا وكيف، وهل كانت هناك مخالفات وفساد فى صفقات لاعبين ومدربين أجانب من قبل بعض رؤساء الأندية وأقاربهم وأصدقائهم ومكاتبهم السرية، حتى يتم مساءلتهم ووقفهم عند حدهم أم لا؟!!.
كان المفترض أن يخبرنا الإعلام الرياضى أيضا، منذ وقت بعيد بالمهازل الأخلاقية التى ارتكبها اللاعب عمرو وردة منذ تحرشه الأول فى تونس ثم البرتغال. لو حدث ذلك بصورة واضحة، لكان قد تم استبعاد هذا «المتحرش الأكبر» مبكرا، وعدم الوصول إلى الفضيحة التى شاهدنا فصولها قبل أيام!.
للأسف الشديد، مهنة النقد الرياضى فى مصر، شهدت تراجعا كبيرا فى السنوات الأخيرة، لأسباب متعددة. وصارت هناك شلل أشبه بالعصابات، تستطيع دهس وفرم كل من يقف فى طريقها.
مرة أخرى أتحدث عن الغالبية وليس الجميع.
هذه الغالبية ليست متخصصة فى مجالها. معظمهم مجرد مشجعين هواة لكرة القدم، شأن ملايين المشجعين ولا يعرفون الحد الأدنى عن غالبية اللعبات الأخرى. بل إن هناك هواة يكتبون على صفحاتهم بصورة أكثر احترافية من بعض ممن يسمون أنفسهم نقادا رياضيين!!. غالبية ممن يعتقدون أنهم نقاد يتصفون بالانطباعية الشديدة، ولا يعرفون مصطلحات مثل المهنية والموضوعية والدقة والمصداقية والتوازن. والأخطر أنهم «هوائيون» بمعنى أنهم يغيرون آراءهم حسب الهجمة أو الهدف «الاستروبيا»، وحسب الموجة ومجاراة الرأى العام، بدلا من تنويره وتعليمه وتثقيفه بصورة صحيحة، ونتيجة ذلك نجد غالبية جمهورنا شديد التعصب والسطحية والتشوش.
وباستثناءات قليلة، يندر أن تجد ناقدا أو معلقا رياضيا يجيد اللغات الأجنبية الأساسية، أو حتى الإنجليزية فقط. وربما أحد أسباب مهارة وتفرد حسن المستكاوى، وأمثاله، أنه يطالع الصحف العالمية الكبرى أولا بأول. فى حين أن آخرين منهم يفاخرون بجهلهم بما يكتب فى الخارج من مصادره الأصلية.
أما المعلقون فمشكلتهم أكبر بكثير، لأنهم يسيطرون ويأسرون المشاهدين أمامهم لمدة تزيد على الساعة والنصف بطريقة شبه أسبوعية.
فى هذا الوقت الكبير، يفتى بعضهم فى كل شىء، وتحدث المأساة حينما يفتون فى موضوعات حساسة لا يعرفون سياقها أو خطورتها. بعضهم لا يكلف نفسه حتى مطالعة أسماء اللاعبين ونطقها بصورة صحيحة، أو تاريخ هذا النادى أو البلد القادم منه، وما هى ثقافته وأحواله وظروفه. وهنا تقع المصائب التى تتحول إلى مآسٍ!.والنتيجة أننا كدنا نفقد علاقاتنا مع دول شقيقة بسبب جهل هؤلاء!!.
الأموال ــ وبعضها خارجى ــ أفسدت بعض الرياضيين وحولتهم إلى أدوات للنهش والهبش والتجريح فى يد مالك هذا النادى أو ذاك. والقصص فى هذا الشأن متنوعة ومهينة.
هل الإعلام الرياضى هو السبب الوحيد فى مشكلة الرياضة؟!. مرة أخرى الإجابة هى لا. هو أحد الأسباب. وبالتالى فقد حان الوقت لوقفة جادة للعلاج، وأن يتقدم النقاد الجادون الصفوف ويطهروا هذه المهنة النبيلة من المزيفين والأفاقين وأصحاب السبوبة، حتى نبدأ رحلة الخروج من الأزمة الكبيرة التى تضرب الرياضة المصرية.