فى الأسبوع الماضى قابلت مسئولا ألمانيا، يزور مصر للمرة الأولى، وما دعانى للكتابة عنه اليوم، أنه لا يتبنَّى الرؤية الأوروبية الكلاسيكية فى النظرة لمصر أو المنطقة، والتى يتم اختزالها فقط فى حقوق الإنسان والحريات وكل ما هو مرتبط بالديمقراطية على الطريقة الغربية. المقابلة لم تكن ثنائية، بل تمت بحضور الدكتور أشرف منصور رئيس مجلس أمناء الجامعة الألمانية بالقاهرة، والدكتور ابراهيم الدميرى وزير النقل والمواصلات الأسبق، والنائب فى البرلمان الدكتورابراهيم عبدالعزيز حجازى.
ما لفت نظرى أن السياسى الألمانى شديد الواقعية، وينظر للأمور عموما من منظور ما يحدث فى المنطقة، وما يعتريها من رياح عاصفة تكاد تقتلع بعض دولها، ومن ثم تهدد بعض القارة الأوروبية.
يقول المسئول ــ الذى يشغل أيضا منصبا فى البرلمانى الأوروبى ــ إن أهم ما لفت نظره فى مصر هو الاستقرار العام مقارنة بما يحدث فى المنطقة، إضافة إلى الاستقرار الامنى.
هو سار لمسافة طويلة على طرق بين القاهرة والبحر الأحمر خلال زيارته. ولفت نظره العديد من المشروعات الكبرى فى هذه المناطق.
هو زار الهيئة العامة للاستثمار، برفقة وفد رفيع المستوى، وجلس مع بعض المسئولين، وفوجئ بتطور كبير فى الشرح والفهم والاستعداد لتسهيل كل المعوقات، كما وجد تفهمًا ووعيا، وخريطة كاملة بكل المشروعات الاستثمارية، وأسعار الأراضى والتسهيلات الموجودة.
هو يقول إن الإنطباع العام عما يحدث فى مصر لدى العديد من الأوروبيين ليس جيدا، وحينما جاء وتجول والتقى بنوعيات كثيرة من الناس، شعر بالفرق، وهو يعتقد أن الحكومة المصرية يفترض أن تدعو كل أصحاب وجهات النظر المختلفة معها لزيارتها لكى يروا الصورة على الطبيعة.
هو يقول إن كثيرا من الأوروبيين المهتمين بالشرق الأوسط، راهنوا على الربيع العربى. لكن النتائج التى انتهى إليها هذا الربيع، جعلت غالبية هؤلاء يتمسكون الآن بالاستقرار قبل كل شىء. فمثلا لن تكون هناك أى استثمارات من دون توافر الاستقرار والأمن الداخلى.
لكن هل يعنى ذلك أن الصورة وردية؟!. الإجابة هى لا، فالمسئول الألمانى يؤكد أن الاستقرار لا يتحقق إلا بالنمو الاقتصادى والاجتماعى، الذى يمنع حدوث أزمات شديدة، إضافة إلى وجود أكبر نسبة توافق بين القوى المختلفة فى المجتمع.
قد تكون درجة التطور السياسى مختلفة بين مصر وألمانيا ــ والمؤكد أنها مختلفة ــ وقد لا تكون هناك صورة أو نسخة وحيدة للديمقراطية، لكن المسئول الألمانى كان واضحا فى ضرورة وجود أسس ثابتة لأى تقدم، أهمها وجود دولة القانون والفصل بين السلطات واحترام الدستور، وحقوق الإنسان وحرية التعبير. هذه هى الأسس والباقى يمكن النقاش حوله وعن أشكاله المختلفة وكيفية الوصول إليه.
فى تقديره أن التحدى الأكبر الذى يواجه مصر الآن هو النمو السكانى المتزايد، لأنه إذا لم يتم ترشيده وتوظيفه بطريقة صحيحة، سوف يلتهم كل نتائج الإصلاح الاقتصادى.
الديمقراطية ليست أمرا سهلا، لكن لابد منها، ولابد أيضا من وجود بيئة لازدهارها. وهو يضرب مثلا على التباينات فى المجتمعات المختلفة بقوله إن المواطن الألمانى العادى يؤمن بالديمقراطية ويمارسها، ولكن بعض هؤلاء، يرفض مثلا حق اللاجئين الأجانب فى دخول ألمانيا، وكل أوروبا، وهو فى هذه الحالة لا يحترم حقوق الإنسان، ويريد من الحكومات أن تقوم بترحيل كل الأجانب والمهاجرين، حتى لو كان ذلك ضد الحريات وحقوق الإنسان. المستشارة ميركل وهى من أقوى السياسيين فى أوروبا والعالم الآن، لا تستطيع أن تتخذ قرارات، تخالف أو تصدم الغالبية فى ألمانيا وأوروبا، فيما يخص قضية المهاجرين، حتى لو كانت ترى أن هذه القرارات صحيحة.
قلت للمسئول إن إحدى المشاكل هى أن أوروبا لا تنظر للمنطقة إلا من زاوية ضرورة وقف الهجرة غير الشرعية، لكن لا تريد أن تستثمر فى التنمية بالمنطقة، حتى لا يفكر أبناؤها بالهجرة إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط. وبالتالى يفترض على الأوروبيين ان يكونوا أقل أنانية، وأكثر انفتاحا على الاستثمار طويل الاجل فى المنطقة، حتى لا يتفأجئوا بسفن المهاجريين غير الشرعيين، تصطف على شواطئهم على البحر المتوسط!!.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع