بقلم: عماد الدين حسين
قبل ثلاثة أسابيع، حضر نجار إلى منزلى من أجل بعض الإصلاحات العاجلة.
لم يكن مرتديا الكمامة. سألته: لماذا لا ترتديها؟!.. فقال: إنها تضايقنى و«تكبس على نفسى» وتجعلنى أشعر بالاختناق».
فى اليوم نفسه، اضطررت للتعامل مع سائق سيارة نقل صغيرة، ولم يكن ايضا يرتدى الكمامة. سألته عن السبب: فقال: «يا بيه ربنا هو الحارس والحافظ». قلت له ولكن ربنا طلب منا أن نأخذ بالأسباب، فرد على قائلا: «خليها على الله». جادلته كثيرا حتى أفهم منطقه، وسر ثقته المطلقة فى عدم الإصابة وهو لا يرتدى الكمامة، فلم أصل معه إلى نتيجة. منطقه الوحيد أن الله سوف يحميه طالما أنه متوكل عليه. قلت له ولكن الله قال لنا: «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة»، فأصر على منطقه بطريقة أولاد البلد البسطاء مع بعض الفكاهة والفهلوة.
وحينما قلت له إن الله ينجى الكافر الذى يجيد السباحة ولا ينجى المؤمن الذى لا يجيدها، استغرب من كلامى، وأصر على موقفه.
مع هذا السائق كان هناك اثنان من الحمالين. الأول يزيد عمره عن ستين عاما ويضع على ذقنه كمامة قماشية سوداء. لكنها بعيدة تماما عن أنفه، والثانى شاب عشرينى لا يرتديها مطلقا. ومن الواضح أن الاثنين يؤمنان بنفس شعار سائق النقل وهو «خليها على الله»!
هذان النموذجان النجار وسائق النقل منتشران بكثافة فى الأرياف والمناطق الشعبية.
ومن خلال متابعة دقيقة للعديد من شوارع القاهرة الكبرى وبعض المحافظات التى زرتها أخيرا فى إطار العمل، فإن غالبية سائقى الميكروباصات يؤمنون بنفس الفكرة.
يوميا وخلال ذهابى للعمل، أتأمل كثيرا سلوك هذه الفئة. تقريبا نحو ٧٥٪ من السائقين يرتدون الكمامة، لكن ليس على أنوفهم، ولكن على ذقونهم فقط، والسبب الأساسى هو الخوف من الغرامة التى فرضتها الحكومة على كل من لا يرتديها فى وسائل المواصلات العامة والجماعية، وهى أربعة آلاف جنيه.
لكن غالبية الركاب فى الميكروباصات يرتدونها بطريقة صحيحة على أنوفهم.
فى الأيام الأولى لتطبيق ضرورة ارتداء الكمامة، كانت النسبة الغالبة من سائقى التاكسيات فى القاهرة الكبرى يرتدونها بطريقة صحيحة. بعدها بدأوا يتصرفون بطريقة النجار رافعين شعار «خليها على الله».
قبل أيام ركبت مع أحدهم، وحاولت إقناعه بأن يرتديها، لمصلحته الشخصية، لكنه لم يكن مقتنعا.
قلت له: ماذا ــ لا قدر الله ــ لو أصبت بفيروس كورونا، واضطررت للبحث عن سرير فى مستشفى عزل وهو أمر شبه مستحيل هذه الأيام، وماذا ستفعل أسرتك إذا توقف عملك، خصوصا أن عائد التاكسى هو مصدر الإنفاق الرئيسى على أسرتك؟!
الرجل اقتنع قليلا، وقام بوضع الكمامة، على فمه، وليس على أنفه!
بالامس تحدثت عن الذين يدركون اهمية الكمامة ويصرون على ارتدائها، لكن للأسف فإن ثقافة الكمامة وأهميتها لم تصل إلى بعض القطاعات فى الشارع المصرى، خصوصا المناطق الشعبية والريفية. بعض هؤلاء لا يصدق أن هناك فيروسا شرسا قاتلا اسمه كورونا أو «كوفيد ١٩»، وبعضهم يصدق أنها مؤامرة أمريكية أو صينية أو روسية أو إسرائيلية أو مؤامرة والسلام.
وفى منطقة شعبية بالجيزة وفى أول أيام الفتح، ورفع حظر التجول فإن اثنين فقط من المصلين ارتدوا كمامة وأخذوا سجادة خاصة بهم إلى المسجد.
وشاهدنا أغرب ما يمكن تخيله حينما لجأ بعض المواطنين إلى تدوير كمامة واحدة فيما بينهم، على أبواب المصالح الحكومية والبنوك. ولا أعرف هل يضحكون على انفسهم ام على المجتمع؟!!
إقتناع هؤلاء بأهمية الكمامة، وأنها يمكن أن تقاوم الفيروس وتقلل الإصابة به بنسبة تصل إلى ٨٠٪ كما يقول بعض العلماء، أمر ليس سهلا، لأنها ثقافة متأصلة وراسخة ونتيجة تراكمات لعقود طويلة.
لا أحد منهم يدرك خطورة المرض والفيروس إلا إذا أصيب به، أو أحد أقاربه الأعزاء، وحينما يحدث ذلك، يكون الوقت قد فات.
المجتمع بكل فئاته الفاعلة خصوصا وسائل الإعلام ورجال الدين الإسلامى والمسيحى وجميعات ومؤسسات المجتمع المدنى وأجهزة الدولة المختلفة، مطالب ببذل المزيد من الجهد لإقناع هذه الفئات ليس فقط بأهمية ارتداء الكمامة، لكن بالتصالح مع العلم وهجر الخرافة والتوكل على الله حق توكله.