بقلم: عماد الدين حسين
كيف يمكن فهم ثقافة ووعى ودوافع بعض المصريين الذين تظاهروا قبل ايام فى شوارع الإسكندرية للدعاء على فيروس كورونا كى يختفى؟!!. وربما السؤال الأوسع هو: كيف يمكن تفسير سلوك وممارسات وطقوس العديد من المسلمين السنة والشيعة وبعض الإخوة المسيحيين، ورفضهم الالتزام بعدم المشاركة فى تجمعات كبيرة، كى لا يساهموا فى نقل الفيروس؟!.
من سوء الحظ أن أغلب من شاركوا فى المظاهرة قليلة العدد مقتنع فعلا، بأنه حينما يسب ويلعن ويهتف ضد الفيروس فربما يختفى فعلا، غير مدركين أن التظاهر الجماعى، سوف ينقل الفيروس إليهم ولا يقتله!.
هؤلاء ربما يعرفون أنه تم تعطيل كل الشعائر الدينية فى الإسلام والمسيحية والهيودية وسائر الأديان الوضعية.
ولو كانت الأدعية والتجمعات الدينية وحدها تمنع الوباء، ما تم إغلاق الحرم المكى والمدنية المنورة، وتعليق صلاة الجمعة فى غالبية البلدان الإسلامية بل والصلوات العادية صارت ممنوعة، لسبب بسيط أنه يكفى وجود شخص واحد مصاب بالفيروس لكى ينقل المرض لكل المصلين.
لو كان الأمر كذلك ما تم تعليق الصلوات فى الفاتيكان، وما قامت الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر بإغلاق الكنائس. وكذلك العديد من المعابد الدينية فى إسرائيل، ودول أخرى.
ما فعله مئات المتظاهرين المغرر بهم فى الإسكندرية لم يكن استثناء بالنسبة للمسلمين السنة، بل رأينا انعدام وعى فى نفس النقطة بالنسبة لغالبية الأديان والمذاهب.
بعض الإخوة الشيعة ظلوا أياما طويلة يرفضون عدم الذهاب إلى المراقد الشيعية خصوصا فى العراق، أو قم الإيرانية، بل إن المسئولين فى الدولتين رفضوا إغلاقها ظنا أن ذلك حرام أو ربما مكرر، وأغلب الظن حتى لا يسخروا قواعدهم الشعبية التى قام بعضها بلعق هذه المراقد!!.
ولم يوقفوا هذه الزيارات لأيام حتى بعد أن صارت إيران عموما وقم خصوصا بؤرة لانتشار الفيروس، وكانت المشكلة الكبرى أن إيران لم تختم جوازات سفرهم، وهم لم يبلغوا بلدانهم بذهابهم إلى إيران والنتيجة، أن دولا خليجية اتهمت إيران علنا بأنها نقلت الفيروس عامدة متعمدة إليهم. والأسوأ أن هؤلاء المواطنين لا يدركون أنهم ارتكبوا خطأ كبيرا فى حق أنفسهم وحق بلدانهم.
بعض الإخوة المسيحيين تجادلوا بشأن الإجابة على سؤال: هل يستمرون فى شعيرة «التناول» طبقا لما هو وارد فى المسيحية أم يوقفونها حتى لا تنتقل العدوى بينهم أثناء ممارسة هذا الطقس؟!.
الجدل بين هؤلاء يشبه تماما الجدل بين السنة والشيعة بشأن العديد من الموضوعات الخلافية. الأمر نفسه تكرر بين بعض أنصار الطرق الصوفية. فقد رأينا هؤلاء يرفضون تماما وقف الاحتفال بالموالد. وسمعنا قيادة صوفية كبيرة تقول إن وقف الموالد يعنى إغضاب «أولياء الله الصالحين»، خصوصا مولد السيدة زينب. وحينما جد الجد، وقررت أجهزة الأمن وقف الاحتفال بالموالد، سمعنا قادة هذه الطرق الصوفية يشيدون بالقرار الأمنى ويعتبرونه خطوة حكيمة للحفاظ على أرواح المسلمين!.
هذا الفرق فى الشكليات والطقوس الدينية لم يكن حكرا على المذاهب الإسلامية فقط، بل تكررت أيضا فى العديد من الأديان الوضعية فى العالم بأكمله، لكن الفارق أن معظم أتباع هذه الأديان استجابوا لطلب حكوماتهم فورا، وتوقفوا عن الذهاب إلى دور العبادة، وربما السبب فى ذلك يعود إلى أن المتطرفين فى هذه البلدان الأخرى ليس كبيرا مثلما هو موجود فى منطقتنا العربية والإسلامية. وربما المفاجأة الوحيدة كانت فى تصرف قيادة «داعش» التى أخذت بالأسباب ونصحت أتباعها بعدم الذهاب إلى أوروبا باعتبارها «أرض الوباء»!!.
ما الذى ينبغى أن نستفيده ونستخلصه من هذه السلوكيات فى بلداننا العربية والإسلامية؟!
فى ظنى أن غالبية القوى والتنظيمات الدينية المتطرفة والمعتدلة فى الوطن العربى، تحتاج إلى إعادة النظر فى أفكارها ومبادئها، لأن معظمها باختصار تخاصم العقل والمنطق. هى تركز على الشكل والطقوس، وتهمل الجوهر والمضمون.
تركز على طريقة تقبيل المراقد والأحجار، وتنسى تماما صلب الدين الإسلامى المتمثل فى العدل والرحمة والإنسانية والتكافل. غالبية تنظيماتنا وفصائلنا الدينية غارقة فى الماضى السحيق، وحتى حينما تغرق فى هذا الماضى، فإنها لا تختار الأفضل، بل الشكلى والطقسى.
الخطورة أن هذه التنظيمات لديها أتباع كثيرون، وبالتالى تقوم بعمليات غسيل أدمغة لهم وتحولهم إلى نوعيات من تلك التى رأيناها قبل أيام فى شوارع الإسكندرية وهم يهتفون ضد فيروس كورونا. معتقدين أنهم سوف يقضون عليه، بهذه الطريقة!
سامحهم الله فقد أساءوا للإسلام وللمسلمين فى كل العالم!