يوم الإثنين الماضى نظمت وزارة الداخلية المنتدى الثالث للسجون المصرية فى مجمع سجون طره، وشارك فيه عدد كبير من الإعلاميين المصريين، ضم غالبية رؤساء التحرير وكبار الكُتاب ومقدمى البرامج الفضائية الكبرى. قبل انعقاد المنتدى، نظمت إدارة السجن جولة ميدانية للإعلاميين فى العديد من أقسام مجمع السجون.
خلال الجولة كان هناك ركن يقف فيه شخص يقوم بعمل «الكفتة المشوية» فى شواية تبدو جديدة تماما. وبجواره كان هناك شخص يبيع فواكه متنوعة، وخلفهما ما يشبه «الكانتين» الذى يبيع السلع المختلفة التى يمكن أن تجدها فى أى بقالة أو سوبر ماركت.
فى هذه اللحظة كان يقف بجوارى الزميلان محمد على خير، ونشأت الديهى. سألنا بعض المرافقين عن حكاية الكفتة فكانت الإجابة التالية:
الأكل فى السجون نوعان: النوع الرئيسى وهو الوجبات المقررة للجميع طبقا لتعليمات معهد التغذية القومى، ولائحة السجون. وحينما دخلنا مطبخ سجن عنبر مزرعة طره، وجدنا جدول الوجبات الثلاث معلقا على الحائط بعنوان فرعى يقول: «مادة ٢ من قرار ٦٩١ لسنة ١٩٩٨ مقرر المسجون العادى بالجرام، والمعدلة بالقرار ٤٦٨ لسنة ٢٠١٧».
فى هذا الجدول يسمح للمسجون أن يتناول فى وجبة الإفطار عدد واحد رغيف وخمسين جراما من الحلاوة الطحينية وخمسين جراما من الفول فى يوم السبت، وفى الأحد نفس الأمر، لكن هناك أربعين جراما من الجبنة البيضاء بدلا من الفول، وفى يوم الثلاثاء هناك بيضتان مسلوقتان بدلا من الفول، وهكذا لبقية الأيام أى هناك صنفان فى الإفطار كل يوم، ويمكن الاستعاضة عن الحلاوة الطحينية بصنف بسكويت عجوة كما هو موضح فى خانة الملاحظات أسفل الجدول.
فى وجبة الغداء هناك أصناف ثابتة هى ١٠٠ جرام أرز و١٥٠ جراما خضار مطبوخ و٣٠ جراما زيت و١٫٥ جرام بصل و٥ جرامات توابل ورغيف واحد.
يوم الأحد مثلا هناك ٧٥ جراما من الفاصوليا و١٥٠ جراما من الفاكهة. وفى هذين اليومين لا توجد لحوم. وفى يوم الإثنين هناك ١٥٠ جراما من اللحوم، و١٥٠ جراما من الفاكهة ومثلها يوم الخميس أى إن اللحوم متوافرة يومين فقط، ويمكن الاستعاضة عنها بالفراخ. والخضار المطبوخ متوافر ثلاثة أيام والفول والعدس والفاصوليا متوافر يوما واحد فقط، والصلصة أربعة أيام والفاكهة خمسة أيام.
ووجبة العشاء أخف إلى حد كبير مقارنة بالغداء. وقد رأيت بعينى ومعى الزملاء تجهيز اللحوم لوجبة الغداء خلال الزيارة، وكنت أتمنى أن أرى تناول المساجين للأكل على أرض الواقع.
ما سبق هو نوعية الطعام التى يتلقاها جميع نزلاء السجون الغنى والفقير، الوزير السابق والخفير الحالى، الرأسمالى والاشتراكى، الإخوانى والداعشى، الجنائى والسياسى.
النوع الثانى من الأكل هو «الكانتين» الخاص لمن لا يريد أن يتناول الأكل المقنن رسميا. من حق كل سجين أن يضع أهله وأقاربه مبالغ مالية محددة فى هذا الكانتين. هو لا يحصل على الأموال مباشرة فى يديه، بل يحصل عليها عبارة عن بونات، ويقوم كل سجين عبر هذه البونات بشراء ما يلزمه من نوعيات الأكل والفاكهة والمشروبات المتاحة فى هذا الكانتين.
ومن بين هذه المأكولات الكفتة والمشويات، التى يشتريها النزلاء بفلوسهم الخاصة المودعة فى الكانتين.
من الذى يشترى هذه النوعية المتميزة من الأكل؟!.
ببساطة كل من معه نقود يستطيع أن يفعل ذلك. سواء كان سياسيا أو زعيم جماعة دينية أو تاجر مخدرات، وبالتالى فالأمر ليس خاصا بالسياسة. وقد سمعت قصصا فى الماضى والحاضر عن مساجين فى قضايا سياسية متنوعة لا يأكلون إلا من الكانتين، ولن أذكر أسماء محددة، حتى لا يبدو الأمر تشهيرا بأشخاص.
حينما انتهت الجولة كان البعض يختزل الجولة كلها فى الكفتة وأسياخها الجديدة والباربكيو، وهذا أمر طبيعى فى المناكفة السياسية، خصوصا أن هؤلاء اعتقدوا أن المشهد برمته مصنوع من أجل الدعاية. وربما لم يكن اخراج مشهد الكفتة جيدا،خصوصا ان كثيرين فهموا ان مصلحة السجون ارادت تصوير الامر، وكأن جميع المساجين يتناولون الكفتة المشوية!!. للاسف لم يفكر أحد فى معرفة الحقيقة، وأن الكفتة للبيع لمن يملك المال فقط، مثلها مثل سلع كثيرة ينتجها المساجين وتحقق عائدات جيدة مثل الأثاث والمنتجات الحيوانية والزراعية.
موضوع الكفتة وأسياخها الجديدة قد يصلح مادة للجدل والمناكفة على وسائل التواصل الاجتماعى. لكن السؤال الذى يفترض أن يشغل الناس أكثر، هو حال المساجين، وكيف تتم معاملتهم، وليس فقط هل يتناولون الكفتة المشوية أم الفول المدمس؟! وهو سؤال أرجو أن أعود إليه لاحقا إن شاء الله من زوايا مختلفة تحاول أن تناقش الأمر بهدوء وموضوعية.
وقد يهمك أيضًا:
هذا النظام الطائفى المتجذر
الصحافة الجيدة.. وماذا سنقول للأجيال الجديدة؟!