بقلم: عماد الدين حسين
المنطق والطريقة والروح التى تحدث بها مندوب إثيوبيا فى مجلس الأمن مساء أمس الأول الإثنين، لا يقدم أى أمل فى التفاؤل بالتوصل إلى اتفاق عادل بشأن سد النهضة الإثيوبى.
ولو استمرت هذه الروح الإثيوبية فلن نصل لأى اتفاق خلال أسبوعين أو شهرين أو سنتين أو حتى عقدين!.
مصر جربت كل الطرق الودية مع إثيوبيا، لكن الأخيرة تكشف كل يوم عن رغبتها فى تعطيش مصر.
وزير الخارجية سامح شكرى تحدث فى جلسة مجلس الأمن عبر الفيديو كونفرانس وعرض وجهة النظر المصرية بصورة قوية ومشرفة، تليق بعراقة الدبلوماسية المصرية وتقاليدها الراسخة.
المندوب الإثيوبى فى الامم المتحدة ارتكب كل الأخطاء من أول تزوير الحقائق واختلاقها، نهاية بمحاولة الظهور بمظهر المظلوم والضحية.
لكن الأخطر أنه يريد أن يعطش مصر، فحسب كلامه مصر استفادت من السد العالى لمدة أكثر من أربعين سنة، وحان الوقت كى تستفيد إثيوبيا من سدودها لمدد مماثلة!!.
المندوب الإثيوبى تحدث بصورة غريبة عن قناة توشكى وترعة السلام، باعتبارهما تصرفا أحاديا مصريا، لكنه نسى معلومة بسيطة وبديهية أن مصر دولة مصب، وبالتالى فلو أقامت مليون سد وترعة على أراضيها، فإن ذلك لن يضر بأى صورة من الصور أى دولة من دول المنابع أو المرور، سواء كانت إثيوبيا أو غيرها طالما أن مصر تحصل على حصتها ويصبح منطقيا أن تتصرف فيها كما تشاء.
هو يتحدث عن «المعاهدات الاستعمارية»، لكنه نسى أو تناسى أيضا أن اتفاقية ١٩٠٢ الأساسية لم تكن إثيوبيا مستعمرة، والأمر نفسه ينطبق على الاتفاق الإطارى عام ١٩٩٥، الذى قالوا إنهم وقعوه، حينما كانوا ضعفاء، وانسحبوا منه، بعد أن استقرت حكومتهم فى عهد ميليس زيناوى، كما جاء فى المذكرات المهمة جدا للسفير أحمد أبوالغيط الأمين العام للجامعة العربية تحت عنوان «شهادتى» وأدعو الجميع إلى قراءتها بدقة خصوصا الفصول المتعلقة بالعلاقات المصرية الإفريقية وخصوصا دول حوض النيل.
الإثيوبيون أظهروا أنهم أساتذة فى المراوغة والتعنت واللف والدوران، وأحد التفسيرات المهمة لتوتر مندوبهم وتضارب أفكاره، أنهم شعروا بخطورة نقل القضية إلى مجلس الأمن، فى حين كانوا يفضلون أن يستهلكوا الوقت فى مفاوضات عبثية ثنائية أو ثلاثية أو حتى فى إطار الاتحاد الإفريقى، حتى يفرضوا علينا أمرا واقعا.
الصورة التى ظهرت عليها إثيوبيا ليلة الإثنين تتطلب منا أن نكون حذرين جدا، فى الفترة المقبلة، خصوصا أن دولا إفريقية كثيرة تدعم وجهة نظرها الخاطئة، وعلى رأسها جنوب إفريقيا التى حاولت بكل الطرق منع عقد جلسة مجلس الأمن، لولا الجهد المصرى الكبير والدعم الأمريكى والفرنسى.
الدول الأعضاء فى مجلس الأمن كان موقفهم متباينا، بعضهم تحدث بصورة مائعة جدا مثل روسيا لأنه لا يريد أن يغضب مصر أو إثيوبيا، وبعضهم لم يكن سعيدا بنقل القضية إلى مجلس الأمن، حتى لا تكون سابقة فى قضية الأنهار المتنازع عليها، مثل الصين، رغم أن سامح شكرى تحدث هاتفيا مع وزير خارجيتها قبل انعقاد الجلسة، أما فرنسا فقد دعت لعودة المفاوضات.
لكن هناك دولا تحدثت بصورة إيجابية مثل الدومنيكان وإندونسيا وفيتنام، التى طلبت عدم اتخاذ قرارات أحادية، وبريطانيا التى طالبت بالاحتكام لاتفاق المبادئ. وكذلك السودان الذى تطور موقفه كثيرا واقترب من الموقف المصرى، لكن ورغم الموقف الأمريكى القوى المساند لنا، إلا أن المندوبة الأمريكية لم تشر إطلاقا إلى الاتفاق المبدئى الذى تم التوصل إليه فى واشنطن يوم ٢١ فبراير الماضى.
إثيوبيا هربت من اتفاق واشنطن فى اللحظات الأخيرة، ويوم أمس الأول كشفت عن وجهها الحقيقى فى نيويورك، وأنها تريد أن تستخدم المياه كسلعة تبيعها لمصر، أو تبتزها بها.
لكن من المؤكد أن العبارة التى وردت فى كلمة سامح شكرى يفترض أن تصل واضحة لأديس أبابا. هو قال نصا: «الدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، بل هو أمر واجب، ولن نسمح لأى تهديد لأمننا المائى»، ولم يكن صدفة أن هذه العبارة صارت هاشتاج فى موقع تويتر فى مصر ليلة أمس الأول.