بقلم: عماد الدين حسين
القمة الإفريقية المصغرة ليلة الجمعة الماضية، حققت اختراقا مهما فيما يتعلق بقضية سد النهضة الإثيوبى، لكن علينا ألا نفرح كثيرا حتى نرى اتفاقا مكتوبا وملزما يحافظ على المطالب المصرية الأساسية، والسبب أن «جراب الحيل» الإثيوبية بلا قرار، ويمكن أن نتفاجأ بأى حجة تنسف ما تم الاتفاق عليه.
من الواضح أن التحركات المصرية الأخيرة دوليا بدأت تثمر. القاهرة نجحت فى توصيل وعرض مطالبها العادلة لكثير من دول العالم. هى أقنعت أمريكا والبنك الدولى وفرنسا، وحصلنا على وثيقة واشنطن فى ختام اجتماعات مضنية فى واشنطن فى فبراير الماضى، بحضور رئيس البنك الدولى ديفيد مالباس، لكن الجميع فوجئ بهروب إثيوبى بطريقة صبيانية يوم التوقيع. أديس أبابا ساقت أسبابا غريبة للهروب، إلى أن كشفت عن نيتها محاولة تأميم النيل الأزرق لصالحها فقط.
هى حتى مساء الجمعة الماضية كانت تقول إنها ستبدأ فى ملء بحيرة سد النهضة فى كل الأحوال بتصريحات فجة ومستفزة خصوصا وزير خارجيتها غيدو أندرجاتشاو.
ذهبت مصر إلى مجلس الأمن، وتمكنت من حشد وتأمين انعقاد المجلس الذى يفترض أن ينعقد اليوم الإثنين.
جنوب إفريقيا التى ترأس الاتحاد الإفريقى، حاولت بكل الطرق عرقلة التحرك المصرى فى عقد اجتماع لمجلس الأمن، ومعها دول أخرى، والحجة أنه يفترض أن يتم مناقشة الأمر داخل البيت الإفريقى أولا. والرد الطبيعى أن مصر تحاول ذلك منذ تسع سنوات تقريبا من دون جدوى، ولم نر أى تحرك إفريقى فاعل طوال تلك الفترة يقول لإثيوبيا توقفى عن التعنت والاستفزاز.
الرئيس الجنوب إفريقى سيريل رامافوزا اتصل هاتفيا بالرئيس عبدالفتاح السيسى مساء الخميس الماضى، وتناقشا بشأن القضية، واتفقا على عقد قمة مصغرة لرؤساء الدول الأعضاء بهيئة المكتب التنفيذى لرئاسة الاتحاد الإفريقى عبر الفيديو كونفرانس تشمل قادة مصر وإثيوبيا والسودان وجنوب افريقيا، وكلا من غينيا والكونغو.
انعقدت القمة مساء الجمعة ولمدة خمس ساعات، وكل طرف تحدث وعرض مطالبه، وعقب نهاية القمة كان آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا أول من غرد على تويتر قائلا: «كانت مفاوضات مثمرة»، وبعدها خرجت مصر والسودان، لتؤكدا أن القادة قرروا تشكيل لجان فنية وقانونية لصياغة اتفاق نهائى وملزم خلال أسبوعين أوثلاثة، والأهم ألا يتم اتخاذ إجراءات أحادية قبل الاتفاق، يعنى ببساطة عدم بدء ملء السد.
بالطبع أول رد فعل إثيوبى رسمى بخلاف تغريدة أحمد كانت بيانا من وزارة الرى يقول إن بدء ملء السد سيتم خلال أسبوعين، لكنه بالطبع لم يشر بالمرة إلى أن ذلك سيتم بعد الاتفاق وليس قبله، أما الغريب فى بيان مفوضية الاتحاد الإفريقى، أنه لم يشر إلى ضرورة عدم التحرك الأحادى، وإلى عدم الملء إلا بعد الاتفاق.
فى كل الأحوال ما حدث كان اختراقا مهما قياسا على المواقف الإثيوبية السابقة، لكن علينا ألا نبالغ فى الفرح إلا بعد أن نرى اتفاقا نهائيا وعادلا، ومصدق عليه من البرلمان الإثيوبى.
لماذا نقول ذلك؟!
لأن التجارب الإثيوبية فى المراوغة والتحايل والتعنت يجب أن تعودنا على عدم الثقة فيهم مطلقا، وإذا كانوا قد تهربوا من توقيع اتفاق فى اللحظة الأخيرة برعاية أمريكا أقوى دولة فى العالم، فما الذى يمنعهم أن يفعلوا ذلك وهم فى رعاية الاتحاد الإفريقى ومقره عندهم، والأهم يتمتعون بدعم إفريقى كبير للأسف الشديد، وهذا موضوع يطول شرحه ويحتاج إلى نقاش لاحق.
النقطة المهمة علينا ألا نتخلى عن مسار مجلس الأمن وكل المسارات الدولية والإقليمية الموازية، وتكثيف الضغط على أديس أبابا حتى تدرك أنها لن تحقق التنمية التى تتمناها من دون ضمان حقنا فى حصتنا من المياه. علينا أن نزيد من التقارب مع السودان بكل الوسائل، وألا نلتفت «الآن» إلى بعض الأصوات السودانية شديدة الفجاجة، والتى تعمل لصالح أديس أبابا، وتعادى مصر بصورة غير منطقية. التقارب مع السودان لعب دورا مهما فى الضغط على أديس أبابا، التى راهنت كثيرا على توقيع اتفاق منفرد للملء مع الخرطوم.
علينا الحرص على تضمين الاتفاق النهائى بنودا واضحة ومحددة، وغير قابلة للتأويل، كما حدث فى القرار الدولى ٢٤٢ لعام 1967 الخاص بفلسطين بحكاية حذف حرفى الألف واللام من كلمة أراضى. وعلينا أن نضمن آلية واضحة لفض المنازعات، حتى لا يتحول السد إلى محبس فى يد إثيوبيا، تعاقبنا به متى تشاء هى أو من يحركها.
علينا أن نكون مستعدين لأسوأ السيناريوهات، بعد أن ثبت أن حسن النية يمكن أن يكلفنا الكثير!.