بقلم - عماد الدين حسين
هناك مفارقة غريبة جدا وهى أن غالبية المصريين الذين ينتقدون الأغانى الشعبية والمهرجانات ويصفونها بأنها هابطة ومنحطة، هم أنفسهم الذين يرقصون عليها فى مناسباتهم السعيدة خصوصا الأفراح!.
لم أكن أدرك هذا التناقض حتى رأيته على الطبيعة. خلال الشهرين الماضيين حضرت أكثر من خمسة أفراح، كلها يمكن أن نطلق عليها أفراح لأهل النخبة، أو ينتمون للشريحة العليا من الطبقة المتوسطة. القاسم المشترك الوحيد بين هذه الأفراح هى أن الجميع تقريبا اندمج فى وصلات رقص على أنغام هذه الأغنيات، التى يقولون ليل نهار إنها هابطة أو مسفة!.
فى أحد هذه الأفراح كانت هناك أغنيات أجنبية كثيرة، تفاعل معها فقط أولئك الذين يعرفون اللغة أولا، ثم الأغنية ثانيا. لكن بعد نهاية هذه الأغنيات، جاءت أغنية مهرجان «العب يلا»!!. وفوجئت باندماج الجميع وحماسهم للأغنية بصورة جعلتنى أشك فى كل ما قالوه عن الفن الهابط والذوق الذى تراجع كثيرا!!!.
فى الفرح الثانى كانت البداية مباشرة بأغنية شهيرة لا أعرف كلماتها جيدا تحتوى كلمات من قبيل «ملبانية وبومبناية». وفى الفرح الثالث رقص الجميع على أنغام «فرتكة».
وفى الفرح الرابع جاءت الأغنية الشعبية «آه لو لعبت يا زهر، واتبدلت الأحوال»!. وفى المناسبة الخامسة كان هناك خليط من مصريين وعرب، وجميعهم من الشخصيات العامة المعروفة، ومجتمع الأعمال، لكنهم أيضا اندمجوا مع هذه الأغنيات بصورة تكشف أنهم لا يرفضونها بالمطلق كما نتصور!.
مرة ثانية نسأل: كيف يمكن لقطاع من الناس أن يرفض شيئا ما ثم يتفاعل معه؟! وكيف يسبون وينتقدون ليل نهار، وعلنا هذه الأغنيات التى يرونها منحطة، فى حين يرقصون عليها ويحفظون كلماتها جيدا؟!!.
لست ضد أن يغنى الناس أى أغانى، أو يرقصوا ويفرحوا ويصهللوا على أى ألحان أو كلمات، طالما أنهم مقتنعون بها، ولست وصيا على ذوق الناس لأقول لهم ما هو الأفضل وما هو الأسوأ!!.
شخصيا، أصنف نفسى ضمن أصحاب الذوق الكلاسيكى القديم، وأكاد أستمع لمجموعة صغيرة جدا من المطربين منهم أم كلثوم وشادية وعبدالحليم وعبدالوهاب وفيروز وماجدة الرومى ومحمد منير وعلى الحجار، ولا أعرف غالبية مطربى هذه الأيام، إلا للضرورة القصوى بحكم المهنة.
أيضا صار حضورى أى فرح هذه الأيام، وصلة تعذيب بشعة، بسبب الصوت الصاخب لما يسمى زورا وبهتانا بالموسيقى، والذى لا أعرف كيف تتحمله الفرق الموسيقية والمعازيم؟!.
بعض الزملاء والأصدقاء لامونى كثيرا، لأننى كتبت أكثر مما ينبغى عن ظاهرة حمو بيكا وبقية أمثاله ممن يسمون مطربو المهرجانات. أحترم رأى زملائى، لكنى ما زلت مصرا أن غالبية المجتمع يدفن رأسه فى الرمل، ولا يريد أن يرى الواقع كما هو، حتى يعمل على إصلاحه، إن كان يستطيع ذلك أصلا. أصحاب وجهة النظر هذه، يكتفون بإدانة وسب وانتقاد مطربى المهرجانات معتقدين أن ذلك يكفى كى تنتهى هذه الظاهرة!!. هم للأسف لا يدركون أن هؤلاء المغنيين ليسوا نبتا شيطانيا، لكنهم أبناء طبيعيون لواقع مر ومحزن، ناهيك عن أن كل مجتمع بما فيه أوروبا وأمريكا، به كل أصناف وأذواق الغناء الكلاسيكى منها الصاخب والشعبى والمتمرد وربما المسف والهابط. لكن الفارق أن الفن الراقى هو الغالب والمنتشر فى أى مجتمع طبيعى.
ما أتمناه أن يتوقف ممن يوصفون أنفسهم بالنخبة عن هذا التعالى المصطنع والأجوف، ويبحثون فى جوهر الظاهرة، ويسألون أنفسهم إذا كانوا يرون هذه الأغانى هابطة فلماذا يرقصون على إيقاعاتها ويرددون كلماتها بنشوة وسعادة؟. وإذا كانوا لا يستمعون إليها ولا يرقصون عليها، ويريدون فعلا الارتفاع بالذوق العام، فماذا فعلوا كى يطبقوا ذلك على أرض الواقع؟!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع