بقلم - عماد الدين حسين
بعد منتصف ليل السبت الماضى بدقائق قليلة، سألنى مذيع قناة العربية السعودية صهيب شراير عن رأيى فيما أعلنته الحكومة السعودية من قرارات وإجراءات، بشأن حادث اختفاء ووفاة جمال خاشقجى، وما ينبغى عليها أن تفعله فى الأيام المقبلة؟
قلت بوضوح إن الإجراء الأهم لإنهاء تداعيات هذا الحادث المحزن والمؤسف هو إعلان الحقيقة الكاملة ومعاقبة المتورطين.
من الجيد أن تعلن الحكومة السعودية أن خاشقجى قتل أو توفى داخل السفارة، لأن ذلك حسم الجدل الذى استمر أسبوعين منذ دخوله قنصلية بلاده فى إسطنبول فى 2 أكتوبر الماضى، لكن الإجراء الأهم هو أن يتم إعلان حقيقة ما حدث كاملة ليس فقط احتراما للحقيقة وللرأى العام فى العالم بأكمله، أو حتى لروح الإنسان الذى قتل غدرا، ولكن أيضا من جانب مصلحى بحت للمملكة وهو وقف الاستنزاف الذى تتعرض له السعودية من قوى كثيرة متربصة بها محليا وإقليميا ودوليا.
قولا واحدا كل ما تم فى قصة جمال خاشقجى كان خطئا فادحا منذ البداية، وحتى الإعلان عن وفاته أو مقتله داخل القنصلية.
الآن وبعد أن بدأنا نعرف بعض التفاصيل، فلم يعد من الممكن إلقاء اللوم على المؤامرة الخارجية أو التربص من هذا الطرف أو ذاك. بالطبع المؤامرة موجودة طوال الوقت، لكن الحقيقة الوحيدة التى صارت واضحة للجميع أن خاشقجى دخل القنصلية وتم قتله داخلها وبالتالى فإن كل من شارك فى هذه الجريمة تفكيرا وتخطيطا وتنفيذا وصمتا، هو الذى أوقع أفدح الضرر بالسعودية وصورتها، بل وحشر حكومتها فى ركن صعب، لم تتعرض له منذ فترة طويلة.
هل هناك قوى تعادى السعودية إقليميا ودوليا وتحاول النيل منها؟
الإجابة هى نعم، لكن كيف نلوم هؤلاء اليوم، بعد أن ثبت أن خاشقجى قتل داخل السفارة، بعد إصرار استمر أسبوعين أنه خرج منها حيا؟!.
الذين ارتكبوا الجريمة أعطوا كل خصوم السعودية وحكومتها فرصا ذهبية للإساءة إلى المملكة والأهم استنزافها بصورة جهنمية.
نرى بوضوح الآن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يتصرف بطريقة متأرجحة ومتقلبة.. مرة يبرئ الحكومة السعودية فى البداية، ثم يقول إنه يقبل الرواية السعودية الرسمية بشأن الحادث، ثم بعدها بقليل يقول إنه غير راض عن الروايات المتتالية من الحكومة وأنه لن يوقف تصدير الأسلحة إليها، ثم فى اليوم التالى يتحدث عن عقوبات، وبعدها بساعات يصعد ويتهمها بأن رواياتها للحادث تحمل «أكاذيب وخداع»، مرة يعلن أن وزير ماليته سوف يحضر مؤتمر «دافوس فى الصحراء» فى السعودية، وبعدها يقول إن الأمر يتوقف على موقف الوزير، الذى عاد أخيرا ليعلن أنه لن يذهب!!!.
التقديرات العامة تقول إن ترامب ليس متقلبا كما يعتقد البعض، بل يمارس سياسة ممنهجة وواضحة، هدفها الأساسى الاستيلاء على أكبر قدر من الأموال والصفقات من الحكومة السعودية، فى مقابل التصديق على الرواية الرسمية بشأن الحادث، وأن ما يفعله الآن يشبه سلوك سمسار العقارات ــ وهى وظيفته الفعلية ــ الذى يريد الحصول على أفضل سعر ممكن للصفقة بل أن يستغل آثار الحادث خصوصا لدى الرأى العام العالمى ووسائل الإعلام، من أجل هذا الأمر.
أتمنى أن تبادر وتسارع الحكومة السعودية إلى إعلان جميع الحقائق، وبصورة رسمية وليس فقط عبر التسريب لوسائل الإعلام الدولية كما حدث مع قصة رويترز يوم الأحد الماضى، إعلان جميع الحقائق والإسراع بالتحقيق ومعاقبة المتورطين الحقيقيين، هو الذى سيوقف الاستنزاف الكبير الذى تتعرض له المملكة منذ اكتشاف اختفاء خاشقجى يوم ٢ أكتوبر الماضى، وحتى هذه اللحظة.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع