بقلم - عماد الدين حسين
هل يمكن لمجتمع كامل أو غالبيته أن يكون ظالما؟! نعم للأسف حدث شىء من هذا القبيل فى الأيام الأخيرة.
فى قضية السيدة هند التى عرضت حياة طفلها للخطر، حينما أجبرته على القفز من الشباك للبلكونة لفتح باب الشقة، فى مدينة ٦ أكتوبر، انبرى واندفع غالبية الناس لإدانة السيدة، وتعليق المشانق لها، والمطالبة بالقبض عليها وسجنها.
حينما أقول «المجتمع الظالم» أقصد غالبية أفراده، أو على الأقل المؤثرين فيه. والدليل أن هذه الحمى التى انفجرت فى وجه والدة الطفل، انتهت بحبسها قبل أن يتم إطلاق سراحها لاحقا.
السوشيال ميديا صار لها قوة اسطورية جبارة، صارت هى الرأى العام الحقيقى فى كثير من القضايا. يكفى أن تركز على قضية معينة، أو تتخذ موقفا محددا، فيكون هو التيار العام الرئيسى، الذى يتبناه بقية المجتمع لاحقا.
المأساة الأكبر أن بعض أجهزة ومؤسسات الدولة تنقاد أحيانا خلف السوشيال ميديا، وبدلا من أن تتخذ هذه المؤسسات القرار الأصح، أو تعدل الحال المايل، نراها تسير مع القطيع العام!.
للوهلة الأولى قامت السوشيال ميديا بشيطنة الوالدة. وللموضوعية فإن السيدة مخطئة، وعرضت حياة ابنها للخطر، وينبغى لفت نظرها وتأهيلها. لكن المدهش فى الأمر أننا كمجتمع أفرادا ومؤسسات وأجهزة وحكومة، تصرفنا باعتبارنا أننا جميعا مثاليون ونعيش فى السويد أو سويسرا، وأن هذه السيدة فقط هى المخطئة، التى ينبغى إعدامها حتى لا تخدش أو تسىء إلى المظهر العام المثالى.
هذا السلوك له تسمية واحدة، وهى النفاق العام. وكان ينبغى ألا نبحر جميعا خلف هذه الموجة العالية والعاتية.
نعم كان مطلوبا توعية السيدة بمخاطر سلوكها، لكن على كل الذين اندفعوا وتحركوا، وطالبوا بإدانة السيدة، أن يدركوا أن ما فعلته يتكرر كل يوم فى غالبية أرجاء مصر. الفارق الوحيد، أن المتلصص الذى يفتح كاميرا تليفونه، لم يكن موجودا، وبالتالى فنحن لا نرى هذا السلوك المشين، موثقا، رغم أننا نراه بعيوننا الطبيعية كل يوم، بل كل لحظة.
جربوا أن تسيروا فى أى مكان شعبيا كان أو ريفيا، بل فى المناطق الراقية أيضا. سوف تكتشفون أن عنف الآباء ضد الأطفال الصغار موجود فى كل لحظة لفظيا وجسديا، وبالمصادفة فإن سيدة قتلت طفلها بحجة تقويمه وتأديبه فى نفس التوقيت تقريبا التى كانت السيدة هند تقوم فيه بإجبار طفلها على دخول الشقة من نافذة الجيران!
لا يعنى كلامى السابق مطلقا التماس العذر للأم، بل فقط أن نكون واقعيين، وألا نتعامل مع ما فعلته الأمر، باعتباره حدثا نادرا استثنائيا وكأننا نراه للمرة الأولى!.
هذا اندهاش غريب ومريب، ويكشف عن أن غالبيتنا مرضى، أو أننا نمثل دور البراءة والفضيلة والورع والتقوى، فى حين أن بعضنا قد يكون ساديا مع أطفاله، بصورة أسوأ مما فعلته هند مع ابنها.
جيد أن تتحرك بعض مؤسسات وأجهزة الدولة للتعامل مع هذه الواقعة، لكن سيكون موقفها أفضل وأشرف كثيرا، لو تحركت لتعرف كم «هند» موجودة فى المجتمع تتعامل مع أولادها، بمثل هذا العنف، وكم عدد الأبناء المماثلين الذين، يتعاملون مع أولادهم بقسوة وعنف، تصل إلى حد قتلهم فى نوبات غضب صارت طبيعية جدا فى قطاعات واسعة من المجتمع.
السؤال: هل أجهزة الدولة المختصة لديها علم بما يحدث فى قاع المجتمع أو حتى سطحه، فيما يتعلق بسلوك الآباء مع الأبناء؟! وإذا كان لدينا هذه المعرفة فما هى الآليات والوسائل والإجراءات، التى تجعلهم يوقفون هذا العنف؟
أخشى أن يكون تحرك الأجهزة الحكومية، مجرد رد فعل لنشر الفيديو على وسائل التواصل الاجتماعى، للقول أو للإيحاء بأن الحكومة موجودة، واتخذت موقفا سريعا.
موقف الأب كان شجاعا حينما دعا للإفراج عن زوجته والنيابة استجابت مشكورة، لكن غالبيتنا ارتدى ثوب البطولة، وانهال سبا وتقريعا ولوما على السيدة، ولم يفكر فى عواقب الأمور.
غالبية المجتمع اغتال هذه السيدة معنويا، رغم أنه يمارس نفس جريمتها ليل نهار!.
السؤال: كيف يمكن علاج هذه القطاعات المجتمعية الواسعة من هذا النفاق الرخيص؟!!.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع