بقلم: عماد الدين حسين
«قرار منع حسن شاكوش من الغناء خطوة على الطريق الصحيح، لكنها غير كافية، بل يجب حذف الـ٧٠ مليون مصرى الذين استمعوا إليه من بطاقات التموين.. كفاية طبطبة»!!!
الفقرة السابقة قرأتها على صفحة أحد الساخرين، وربما تعبر عن انقسام الرأى العام بشأن كيفية التعامل مع حسن شاكوش وغيره، وهل مثل هذه الظواهر يكون علاجها بقرارات المنع والحظر الإدارى، أم هناك طرق أخرى كثيرة؟!
قولا واحدا الطريقة التى تصرفت بها نقابة المهن الموسيقية والنقيب هانى شاكر، قد ترضى بعض الغاضبين على وسائل التواصل الاجتماعى، ومن يعتقدون أنهم حماة القيم والأخلاق، لكن لسوء الحظ، فلن تحل المشكلة، ولن تقضى على ظاهرة أغانى ومطربى المهرجانات.
هذا الكلام قد يغضب كثيرين، وبالمناسبة فأنا شخصيا لا أحب غالبية أغانى المهرجانات، بسبب «حالة الدوشة والضوضاء والصراخ» التى تصاحبها، وتفسد كل شىء وتصيبنى بحالة من الحمى والارتكاريا. علما أن كلماتها ومعانيها جيدة فى بعض الأحيان، وحينما سمعت حسن شاكوش يغنى أغنية «بنت الجيران» فى ستديو قناة «إم بى سى مصر» بصورة طبيعية قبل أيام، ومن دون «الأداء المهرجانى»، رأيتها أغنية عادية جدا.
السؤال الذى يفترض أن نسأله جميعا هو: إذا كان هناك قرار من نقيب ونقابة المهن الموسيقية بحظر أغانى المهرجانات، فكيف سيكون التعامل مع الذين يسمعونها ويطلبونها ويبحثون عنها لدرجة أنه تم الاستماع إليها أكثر من ٧٠ مليون مرة، وصار لدى صاحبها حسن شاكوش أكثر من مليون متابع على اليوتيوب. وحينما سألوه قبل أيام: كيف وصلت أغنيتك «بنت الجيران» لتكون الثانية عالميا رد: «كنت نايم ولما صحيت قالولى انت بقيت نمرة ٢ عالميا»!
من وجهة نظر هانى شاكر، فإن الشعب المصرى يستحق فنا أفضل من هذه الأغانى، وهى تنجح لأنها مجانية، وليس كل نجاح على الإنترنت يستحق الالتفات إليه، وأنه سيتم تحجيم وضبط هذا الفن الوضيع.
ومن وجهة نظر النقيب السابق والملحن مصطفى كامل فإن من يريد الغناء فلينزل بفرقته الموسيقية، وليس بفلاشة عليها الأغنية! وفى رأى وزير الإعلام أسامة هيكل فإنه آن الأوان للتوقف عن نشر ثقافة القبح، حتى لو كان لها متابعون. أما الملحن الكبير حلمى بكر فقال: المطبخ الغنائى ملىء بالحشرات الضارة! والنائب صلاح حسب الله قال مساء الأحد الماضى: «ما يقدمه مطربو المهرجانات أخطر من كورونا، وهى حرب لضرب قيم المجتمع، وهل نصدر للعالم شخصا يقلع هدومه على المسرح؟!».
كل ما سبق وزيادة كلام منطقى، وأتفق مع معظمه، لكنه للأسف هو لا يعالج جوهر الأزمة.
أعجبنى جدا ما قاله مصطفى كامل مع أحمد موسى على فضائية صدى البلد مساء الأحد الماضى، بأن أغانى المهرجانات دخلت بيتى، وأولادى يستمعون إليها».
هنا لب القضية، فهناك كثيرون فى المجتمع يستمعون إليها، وهذا هو السبب الذى جعل عدد مرات الاستماع إلى أغنية واحدة، تصل لسبعين مليون مرة.
مرة أخرى كيف نتعامل مع من يستمعون إلى هذه الأغانى؟! هل منع المطربين سيكون حلا؟!
الإجابة وجدتها بالصدفة فى رأى مختلف ويستحق التفكير، كتبه الإعلامى الكبير حسام السكرى على صفحته بالفيسبوك أمس، يقول فيه: «حرية التعبير تضمن نشر وإذاعة أفكار أو كتب أو أغانٍ تراها تافهة. حقك محفوظ فى نعتها بالتفاهة. لكن لا حق لك فى مصادرتها أو منع أصحابها من التعبير أو المطالبة بحجبها».
نفس الفكرة مع الفارق، كتبته الفنانة لقاء الخميسى على صفحتها على «انستجرام» قالت فيه: «لست مع وقف مغنٍ أخذ تصريحا سابقا ويقدم لونا شعبيا وله جمهور عريض. أنا مع احتضانه والاتفاق معه بأن يختار كلمات الأغنية بعناية. استاد القاهرة ده مكان مهم جدا.. ويشبه الحرم الكروى، وأى حفلة تقام فيه لازم تبقى على قدر وضعه، لأن الحفل على الهوا، كان مهما أن نختار المغنين والفنانين بعناية لكن أن تمنع مغنى له جمهور فهذا ليس حلا».
أتعاطف بشدة مع رأى لقاء الخميسى حتى لو كنت لا أحب أغانى المهرجانات. فالأصل هى أن الناس هم من يحكمون على مستوى كل الفنون من أفلام ومسرحيات وأغان ومسلسلات. ودور النخبة الحقيقى، هى الارتقاء بالذوق العام، بكل الطرق الإبداعية، وليس بالقرارات الإدارية فقط.
ما يزال الناس يحبون عمالقة الأدب نجيب محفوظ والحكيم ويوسف إدريس وطه حسين، ويحبون عمالقة الفن الراحلين والعمالقة فى كل المجالات، لم يحبوهم بقرارات إدارية من نقيب أو وزير، بل من جودة أعمالهم وتعبيرها عن هموم الناس وآمالهم وأشواقهم.
الحل الحقيقى أن نترك الناس تحكم على الأعمال الإبداعية، وأن يؤدى كل منا دوره وعمله، فإذا كان لدينا تعليم جيد وفنون إبداعية حقيقية، ومحتوى متنوع، وحرية رأى حقيقية، فإن الناس ستذهب بصورة طبيعية إلى الأكثر جودة، وسيظل «الجزء الهايف أو التافه» محصورا فى بقع صغيرة.