بقلم: عماد الدين حسين
الخبر الجيد للمحتجين اللبنانيين هو وصول رسالتهم لمن يهمهم الأمر واستقالة حكومة سعد الحريرى، والخبر السيئ لهم ولكل المتعاطفين معهم، أن النظام الطائفى فى لبنان متجذر ومترسخ ويصعب اقتلاعه بين عشية وضحاها، ويحتاج نضالا وجهادا ووعيا ووقتا وصبرا ونفسا طويلا، والأهم تكاتفا وطنيا يتجاوز الطائفية والطائفيين ومصالحهم المتشابكة. مهم جدا أن يدرك اللبنانيون أنهم ليسوا بمفردهم فى المنطقة فهناك قوى كثيرة تتربص بهم وببلدهم، بعضها عدو سافر كإسرائيل ومن يؤيدها، وبعضها يزعم أنه صديق «وهو ألد الخصام»!
الخبر الجيد أن الحكومة المقبلة، حتى لو كانت برئاسة الحريرى، وظل فيها غالبية الوزراء القدامى ستكون مجبرة على تقديم رسائل وإشارات طمأنة لعموم الشعب اللبنانى، خصوصا فيما يخص قضية الفساد والمفسدين.
فى هذه الحكومة لن يستطيع أى وزير أو مسئول أن يتبجح قائلا: «علينا دفع الضرائب حتى لو كنا نعرف أنها ستسرق»، ولن يستطيع أى وزير فرض ضرائب عشوائية، كما فعل وزير الاتصالات بفرض ضريبة على استخدام الواتساب!».
وحسب قول الكاتبة عليا إبراهيم فى موقع «درج» فإن غالبية اللبنانيين وبسبب الطبقة السياسية الفاسدة: «قد كفروا كفرا تاما بدولة مفلسة فاسدة وعاجزة ولا يتفوق على وقاحتها سوى غبائها، هى لم تترك مكانا، إلا وحاصرت الشعب فيه، بل أبلغت الشعب عن نيتها سرقته من أجل تمويل فسادها»!.
هذه الحالة لن يكون من الممكن استمرارها فى الحكومة الجديدة، التى ستكون مجبرة على طرد بعض الوجوه المكروهة شعبيا. حتى لو كان بعضهم بدأ يقول كلاما معسولا عن التوبة والفرصة والصفحة الجديدة.
وصلت رسالة قوية بأن التجبر والفساد والبلطجة لها حدود، حتى لو كانت محمية بميليشيات قوية فى هذه الطائفة أو تلك، وأن صوت الشعب حينما يزمجر فإنه قادر على هز أقوى الجبال. نجح الشعب اللبنانى فى إبهار العالم باحتجاجاته الحضارية، وروحه المحبة للحياة. والمؤكد أن ما بعد هذه الاحتجاجات، لن يكون مثل ما قبلها.
لكن ــ وآه من لكن ــ فإن الاعتقاد بأن تغييرا جذريا سوف يحدث بسبب هذه الوقفة القوية لغالبية الشعب اللبنانيين، ليس دقيقا أو صحيحا، وهو فى أحسن الأحوال اعتقاد حالم أو خادع!.
الأمر لا يتعلق بطبيعة الاحتجاجات أو تقصير اللبنانيين، لكنه يتعلق بنظام حكم عتيق وراسخ ومتجذر. نعرف أنه ولأسباب تاريخية تتعلق بلبنان وطوائفه الدينية والمذهبية ولصراعات تتعلق بطبيعة المنطقة، خصوصا منطقة الشام، وما أحدثه فيها الاحتلال العثمانى الغاشم، قد جعلت لبنان الحديث يقوم على طبيعة طائفية تم إقرارها رسميا عام ١٩٤٣ عقب استقلاله عن الاحتلال الفرنسى وترسخت باتفاق الطائف عام 1990 عقب الحرب الاهلية.
هذه الصيغة تنص على أن رئيس الجمهورية مسيحى مارونى ورئيس الوزراء مسلم سنى، ورئيس البرلمان مسلم شيعى، كما أن مقاعد البرلمان وعددها ١٢٨ مقسمة على أساس طائفى. هذه الصيغة، ما تزال قوية، وتعيد إنتاج نفسها فى كل مجالات الحياة اللبنانية.
عدد كبير من اللبنانيين، خصوصا من أجيال الشباب بدأ يكفر بهذه الصيغة، ويكتشف أنها أحد الأسباب الرئيسية لتكبيل البلاد بقيود وأغلال، وأنه لا مستقبل لهذا البلد إلا بنسف هذه الصيغة من أساسها، وإعادة تأسيس وبناء دولة ديمقراطية تقدمية، على أسس المواطنة الكاملة والمتساوية.
لكن هل هذا الحلم قابل للتحقيق؟
لا يوجد مستحيل فى السياسة، لكن فى نفس الوقت، هناك واقع لا يمكن تجاهله أو القفز عليه، لمجرد أننا نحلم بذلك؟
الصعوبة الكبرى فى نسف الصيغة الطائلفية، أن هناك قوى كثيرة جدا فى كل الطوائف صارت مستفيدة منها، ونسفها، يعنى أنها سوف تخسر هذه المميزات، بل قد تقاتل دفاعا عما تعتقد انه حقوق مكتسبة، ولن تتردد حتى فى إحراق البلد وإغراقه فى حرب أهلية جديدة، إذا شعرت أن مصالحهم مهددة، وقد سمعنا ورأينا علامات وإشارات على ذلك خلال الاحتجاجات الأخيرة.
ثم إن هناك قوى إقليمية ودولية مستفيدة من هذه الصيغة وتدعمها بصورة أو بأخرى. ولن تدعم أى تحول دراماتيكى قد يمثل مسا بمصالحها فى لبنان والمنطقة. ومن سوء حظ لبنان أنه مجاور لدولة الاحتلال فى فلسطين المحتلة. وقدره أنه يدفع أثمانا باهظة ليس فقط بسبب إسرائيل، ولكن فى أى كارثة تعصف بالمنطقة، مثل الأزمة السورية.
نحلم مع اللبنانيين بدولة مواطنة مدنية غير طائفية، لكن علينا فقط ألا نتجاهل الوقائع المادية الجاثمة على الأرض!.