بقلم: عماد الدين حسين
هناك جيل جديد من الشباب لا نعرف عنه شىء.. حكومة وشعبا ومجتمعا.
حتى وقت قريب كنا نعتقد خاطئين أن هناك مشكلة تواصل بين الحكومة وشباب الجامعات المسيس، بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لكن أظن أنه حان الوقت لإدراك أن المشكلة أكبر من ذلك بكثير، ولا تخص الحكومة فقط، بل المشكلة الأخطر أنها بين الشريحة الجديدة من الشباب والمجتمع بأكمله.
هذا الجيل الجديد يقع بين سن ١٢ إلى ١٨ سنة، جزء كبير منه لا يرى وسائل الإعلام التى نراها، ولا يشاهد المسلسلات أو الأفلام التى نشاهدها، ولا حتى أحيانا مباريات الدورى المصرى المملة التى مازلنا نراها جيدة. ولا يسمعون الموسيقى التقليدية التى نسمعها.
هذه الشريحة تشاهد ــ عبر باقة إنترنت، لم تعد مكلفة جدا ــ ما تراه مناسبا وموافقا لميولها وهواياتها على نتفليكس وأخواتها. يشاهدون أفلاما ومسلسلات وبرامج، لا يستطع مقص الرقيب سواء فى مصر أو أى دولة عربية أن يطالها ويوقفها أو يحجبها أو «يهذبها»!
القيم التى تؤمن بها غالبية هذه الشريحة، ليست بالضبط هى ما كنا نؤمن به ونحن فى مثل سنهم. صاروا أكثر عولمة بكثير. ارتباطهم بالمراكز الدولية الكبرى فى الخارج، أكثر من ارتباطهم بالداخل.
هذه الشريحة تضم غالبية طلاب المدارس الدولية ومدارس اللغات فى مصر، والشريحة العليا من طلاب المدارس العادية.
هم مثلا لا يحبون قراءة التاريخ، ولا يعرفون الكثير عن حرب أكتوبر، أو ماذا تعنى إسرائيل بالنسبة لهم وكذلك القضية الفلسطينية. قد تجد بعضهم متعاطفا مع جهات خارجية ضد مصلحة بلده، من دون أن يعرف ذلك.
ليس ما سبق هو الأخطر. لكن المشكلة الحقيقية، فى القيم الجديدة التى بدأت هذه الشريحة تتشربها بهدوء شديد. معظمهم مثلا لا يحافظون على أداء الصلوات سواء فى المساجد أو الكنائس، وإذا فعلوا فبطريقة متقطعة، وبصورة مظهرية، فقط لإرضاء الأهل. لا توجد بينهم حدود كبيرة فيما يتعلق بالعلاقات بين الأولاد والبنات.
أما الأخطر فإن بعضهم لا يجد غضاضة فى التعاطف مع المثليين جنسيا، وصار وضع علم المثليين «الرينبو» شائعا جدا فى صفحات كثيرة من الشباب المصرى.
النتيجة النهائية أن «دماغ» هؤلاء الشباب صارت مرتبطة بالخارج. ليس بمنطق المؤامرة الأبله الذى نردده، ولكن بمعنى أنهم مرتبطون طوعا بقيم وأفكار ومثل ومبادئ خارجية.
هى للموضوعية ليست مشكلة مصرية فقط، حتى لا نجلد ذاتنا كثيرا. هى مشكلة تخص غالبية الشباب العربى والمسلم والشرقى عموما، والتفسير الأقرب إلى الصحة، هو انعدام الحريات فى منطقتنا وغياب الأمل فى غد أفضل. ويعتقد البعض أن مناطق كثيرة فى العالم تعانى من نفس المشكلة، ليس فقط فى إفريقيا، ولكن حتى داخل بعض المجتمعات الأوروبية نفسها.
السؤال: هل ما سبق يعتبر دعوة للوم هؤلاء الشباب أو الفتك بهم؟!
الإجابة هى لا قاطعة، بل دعوة للفهم والمتابعة والتواصل حتى نصل إلى علاج حقيقى لهذه المشكلة بالغة الخطورة.
نحن جميعا حكومة ودولة ومجتمع، عجزنا عن أن نتواصل معهم، بطريقة صحيحة فهربوا منا للخارج.
هؤلاء الشباب صغار السن صاروا يمسكون بالموبايل من سن الرابعة تقريبا، ويتواصلون مع مواقع وأفكار وبرامج وتيارات لا نعرف عنها شيئا. بعضهم قد يذهب إلى داعش والنصرة والإخوان وأمثالهم، وبعضهم قد يذهب إلى صراعات دولية غربية وغامضة، وبعضهم يريد عملا ثابتا ومستقرا فى الخارج بعيدا عن بلده، بسبب صعوبة الأوضاع المعيشية فى مصر.
لماذا أكتب عن هذه الشريحة الآن؟!
بالطبع على خلفية مؤتمر الشباب السابع، الذى انعقد قبل أيام، وأتمنى من إدارة المؤتمر ولجانه المنظمة، النظر فى هذا الموضوع، وتخصيص دورة كاملة له، شرط أن تكون هناك دراسات ومعلومات حقيقية، تقول لنا كيف يفكر صغارنا وهل يقرأون، ولمن وماذا يشاهدون، وماذا يريدون أن يتعلموا؟ وفى الداخل أم الخارج، وما هو الذى يجذبهم للبقاء فى بلدهم أو الهجرة منها؟!.
لو حدث ذلك يمكن الوصول إلى نتائج وتوصيات ستفيد الجميع الشباب والحكومة والدولة والمجتمع.
مؤتمرات الشباب وصلت إلى بعض تجمعات الشباب التقليدية. والسؤال: كيف ستصل إلى هؤلاء الشباب «التانيين» الذين لا نعرف عنهم الكثير؟!!.