صباح الاثنين الماضى أسعدنى الحظ، حضرت ندوة مهمة نظمها المركز المصرى لبحوث الرأى العام «بصيرة»، بعنوان «الاستفادة من الجمهور العام فى توفير بيانات أهداف التنمية المستدامة».
من سوء حظ المجتمع المصرى أن معظم نخبه مهمومة فقط بالصراعات السياسية حول الموضوعات والقضايا الكبرى، ولا ينشغلون ببعض القضايا التى صار لها تأثير خطير، وسيكون تأثيرها فى المستقبل أخطر.
من بين هذه القضايا، البيانات والمعلومات المتدفقة بكثرة عبر وسائل التواصل الاجتماعى.
على سبيل المثال فإن الدكتور ماجد عثمان رئيس مركز بصيرة ووزير الاتصالات الأسبق، قال خلال كلمته فى الجلسة الافتتاحية إنه فى الدقيقة الواحدة هناك ٤٫١ مليون فيديو يتم بثها عبر يوتيوب، و٩٠٠ ألف مشارك فى الفيس بوك، و٧٠ ألف ساعة يتم مشاهدتها عبر نتفليكس.
الآن لدينا انفجار فى حجم البيانات والمعلومات، وطلب متزايد عليها، وفى المقابل هناك احتياج كبير لتنظيم هذه البيانات، وهى فى الوقت نفسه وسيلة لمحاسبة الحكومات وبالتالى لتحقيق التنمية المستدامة.
إذا كيف نحل هذه المعادلة؟!
لنعرف أولا ما معنى «البيانات الكبيرة» أو الـ«Bigdata»؟. هى وكما عرفتها الدكتورة هبة صالح مدير معهد تكنولوجيا المعلومات «iti»، تعنى فى احد معانيها قوة الناس ونشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعى.
أما الدكتور ماجد عثمان فقد أضاف المزيد من الشرح التفصيلى.
على سبيل المثال فإن كل شركات الهواتف المحمولة تملك بيانات متعددة عن العملاء، هدفها الأساسى كان تحصيل فواتير هؤلاء المستخدمين، لكن بخلاف ذلك، فقد اكتشفنا نحن وهذه الشركات أن هناك أهدافا قد تكون مفيدة جدا للمجتمع من وراء هذه البيانات والمعلومات، مثلا ومن خلال مدة المكالمة ومكانها، يمكننا أن نعرف مثلا من الذى يقيم فى القاهرة، ومن الذى يأتى للعمل فيها أو زيارتها ثم يغادرها إلى محافظات أخرى.
لو فكرنا فى إجراء مسح بالوسائل التقليدية والعينات العشوائية فإنه سيكون مكلفا جدا ماديا ويستغرق وقتا طويلا.
الآن لم نعد نحتاج إلا إلى تطبيق معين لكى يكشف لنا هذه المعلومات المهمة فى وقت قصير جدا. مثلا وعبر تطبيق مشابه فإن إحدى شركات الائتمان البنكية فى إسبانيا استطاعت أن تعرف عبر المعاملات البنكية للسائحين أن السائح الصينى يصرف أكثر من نظيره الألمانى خلافا لما هو شائع، وأنه يفضل الإنفاق على شراء الملابس من الماركات الشهيرة، فى حين أن السائح الألمانى يفضل الإنفاق على المطاعم الموجودة على الشواطئ.
المعلومات المنفجرة بكثرة وغزارة على وسائل التواصل الاجتماعى أو حتى الدردشات والبوستات والتعليقات يمكنها أن تحل الكثير من المشاكل. مثلا وفى اندونيسيا توقعوا حدوث أزمة فى استهلاك الأرز وارتفاع أسعاره بسبب بعض النقاشات العرضية على الفيسبوك.
وفى مثال آخر فإن بعض الأسئلة عن أعراض مرض الإنفلونزا يمكن أن تنبه إلى وجود انتشار للمرض فى مكن معين، وبالتالى يمكن التدخل مبكرا للحد من انتشار الفيروس. من خباب تطبيق بسيط يحوله إلى ما يشبه جهاز الإنذار المبكر. بل إنه تم التنبؤ بوجود أزمة فى أنابيب البوتاجاز قبل سنوات فى الصعيد، بسبب حديث عن وجود عطل فى أحد خطوط الإنتاج.
خلال هذه الندوة استمعت إلى أفكار ومناقشات كثيرة عن هذا الأمر، يمكن تحويلها إلى إجراءات لحل الكثير من المشاكل أو حتى المساهمة فى حلها. مثلا يمكن إنشاء مرصد للأسعار، أو تطبيق يتحدث عن رأى الطلاب وأولياء الأمور فى النظام التعليمى الجديد، أو وجود تحيزات ضد بعض الأقليات، خصوصا أن هناك أفكارا بدأت تشهد تطبيقا وتحقق بعض النتائج مثل «خريطة التحرش الجنسى».
ما فهمته أن قوة البيانات هى التى ستحكمنا فى المستقبل. هذه البيانات هى «النفط الجديد»، وأهم سلاح للدول.
لكن هل هذه البيانات، بلا تحديات أو عوائق أو خطورة. للأسف الإجابة هى لا.
ومثلما هى وسيلة لتحقيق الرفاهية للمجتمعات وزيادة جودة الحياة، يمكنها أن تتحول إلى سلاح مدمر؟.. كيف ذلك، وكيف يمكن ترويض هذا الوحش الكاسر؟!
سؤال يحتاج إلى إجابة أكثر تفصيلا!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع