بقلم: عماد الدين حسين
صباح الخميس قبل الماضى، اتصل بى مسئول مصرى بارز كان يشغل منصبا رفيعا فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
مناسبة الاتصال هى التعليق على سلسلة مقالات لى عن التعنت الإثيوبى بشأن سد النهضة.
هو قال لى مداعبا: لماذا لا تقر بأن ثورة ٢٥ يناير هى السبب الرئيسى التى دفعت إثيوبيا لبناء السد؟
قلت له: ربما تكون أحد الأسباب التى عجّلت بذلك، لكن اختزال الأمر فى الثورة فقط، غير منصف بالمرة.
رد بجدية أكثر:
«قولا واحدا، لولا ثورة يناير ما تجرأت إثيوبيا على بناء السد. وعليك أن تتذكر ما قاله الرئيس عبدالفتاح السيسى يوم 14 أكتوبر الماضى: «إن مصر بعد هذا التاريخ، كشفت ظهرها وعرّت كتفها فى 2011».
يضيف: الوفد الشعبى المصرى الذى سافر لإثيوبيا بعد ٢٥ يناير، ارتكب جريمة فى حق مصر، هم لم يقرأوا كيف تفكر إثيوبيا جيدا، ولا موقفها من مصر طوال عقود وربما قرون، وعليهم الآن أن يعتذروا للشعب ويعترفوا بأنهم أخطأوا فى حق أنفسهم وبلدهم.
قلت له، ولكن أنا واثق أن غالبية من سافروا تصرفوا وفكروا بحسن نية، ورغبوا أن ينقلوا رسالة سلام ومحبة تقضى على شكوك الإثيوبيين وهواجسهم.
قال لى: العلاقات والصراعات بين الدول لا تدار بهذه الطريقة، وهذا الوفد أعطى للإثيوبيين ذريعة بأن المسئولين المصريين السابقين كانوا على خطأ، وهو أمر غير صحيح بالمرة.
يضيف: «هل أدركوا الآن أن إثيوبيا لم تجرؤ على اتخاذ أى خطوة تضر بالحقوق المصرية إلا بعد ٢٥ يناير».
فى تقدير هذا المسئول أننا انكشفنا بعد يناير، والرسالة التى وصلت لإثيوبيا وقتها، أن «مصر لن تقوم لها قومة قبل ١٥ سنة، وبناء عليه أعلنت عن بدء بناء السد، ثم تجرأت أكثر، وزادت سعته من ١٤ مليار متر مكعب إلى ٧٤ مليارا باعتبار أن مصر «دخلت كهفا عميقا» ولن تتحرك لمنعها.
لكن هذا التفكير الإثيوبى لم يتخيل مطلقا أن هناك قوات مسلحة مصرية، ما تزال قوية، ولم تتوقع أديس أبابا أن الشعب سيتحرك فى ٣٠ يونية ٢٠١٣ ويعيد الأمور لنصابها.
سألته: إذا كان هذا التحليل صحيحا، فلماذا وقعنا على اتفاق المبادئ فى مارس ٢٠١٥، الذى يرى البعض أن إثيوبيا استفادت منه فى تخديرنا لإكمال بناء السد؟!!.
يجيب: فى ٢٠١٥ لم نكن قد استكملنا عناصر قوتنا، والقاعدة الاستراتيجية تقول إنه حينما تكون ضعيفا، عليك ألا توقع على أى شىء، لكنى أتفهم ظروف صانع القرار وقتها. وعلينا أن نتذكر المشهد الشامل الذى سبق وزامن التوقيع على الاتفاق.
أولا: الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما كان لا يزال حاطط مصر ونظامها فى دماغه» ومنع إرسال الطائرات الأباتشى أو حتى قطع غيارها وكانت مهمة جدا لمواجهة الإرهابيين فى سيناء، وأوروبا كانت تتمنى إعادة دمج الإخوان فى المشهد ومعهم محمد البرادعى، والسعودية أوقفت شحنات وقود صفقة أرامكو، وأثرت على مواقف بعض دول الخليج لتضغط علينا فى قضية تيران وصنافير.
هذا هو المشهد والخلفية التى يفترض أن نفهم فى إطارها التوقيع على اتفاق المبادئ، وصاحب القرار حينما يرى كل هذه المعطيات، فهو يقول: «علينا تجريب حسن النية مع الإثيوبيين لعل وعسى».
ورغم ذلك فهذا الإعلان ــ كمال يرى المسئول ــ لم يتضمن أى تنازل جوهرى، بل صار ورقة فى يد مصر الآن، لأنه يتضمن إقرارا إثيوبيا بالعناصر الأساسية لأى اتفاق لاحق.
انتهى كلام المسئول السابق وسألته: بهذا التحليل أنت تبرئ عهد مبارك كاملا وتلقى اللوم فقط على ٢٥ يناير التى ما أزال أراها ثورة شعبية عظيمة، رفعت شعار «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وتمنت بناء مصر جديدة لكن للأسف، ركبها الإخوان وسرقوها لأسباب يطول شرحها.
هو أجاب: لا أبرئ مبارك، ولكنه لم يكن خائنا، والخطأ الأساسى الذى ارتكبه أنه ترك الأمور تصل لما وصلت إليه، خصوصا الغموض الذى صاحب قضية التوريث، وعدم الحصول من دول حوض النيل على ضمانات كافية بعدم توقيع أى اتفاق يضر بحقوقنا المائية. لكن لا ننسى أيضا أن عهد مبارك منع أى دولة أو شركة أجنبية من المشاركة فى بناء أو تمويل السد.
تلك هى وجهة نظر هذا المسئول الذى لا يزال فاعلا بصورة كبيرة فى المشهد السياسى، وظنى أنه فى هذا الوقت المصيرى علينا أن ننسى كل خلافاتنا، حتى نتمكن من الحفاظ على حقنا فى المياه أو بالأحرى حقنا فى الحياة.