بقلم: عماد الدين حسين
خلال زيارتى لقريتى بمحافظة أسيوط فى إجازة عيد الفطر قبل أيام، سألنى أحد الأقارب والأصدقاء: ما هى الكلية التى يفترض أن يلتحق بها ابنه، الذى بدأ امتحانات الثانوية العامة؟
أجبته أن ذلك يتوقف على رغبات وهوايات وميول الابن. قال لى: إن الابن شأن كثيرين فى هذا الجيل لم يعد يعرف تحديدا ماذا يريد، وليس متحمسا لكلية بعينها.
وبعد نقاش طويل حول الجيل الجديد والكليات والرغبات وواقع ومستقبل التعليم، سألنى سؤالا مباشرا: وهل تنصح الابن بدخول كلية الإعلام، إذا كان مجموعه مؤهلا لذلك؟!
قلت له مرة ثانية: إن الابن هو من يفترض أن يحدد، والأهم بالنسبة لدراسة الإعلام شأن العديد من التخصصات أن يكون هاويا للمهنة ومحبا لها ومستعدا لتحمل صعوباتها الكثيرة فى مرحلة البداية.
أصر الصديق أن أقول له رأيا محددا بمعنى نعم أم لا. فقلت له إن الإجابة أمانة، وينبغى أن تكون شاملة للصورة العامة التى يعيشها الإعلام والصحافة هذه الأيام ليس فى مصر فقط، ولكن فى عموم المنطقة العربية بكاملها. بالطبع لا أقصد أن أشغل الناس بحكاية ابن قريتى، ولكن الموضوع يخص كثيرا من الناجحين فى الثانوية العامة، الذين يحلمون بالالتحاق بكليات ومعاهد الإعلام فى عموم الجامعات المصرية الحكومية والخاصة.
حتى أوائل السبعينيات من القرن الماضى، كان هناك فقط قسم الإعلام والصحافة بكلية الآداب جامعة القاهرة، وهو الذى تحول إلى كلية الإعلام بالجامعة، وتخرجت دفعتها الأولى عام 1975، وكان أبرز خريجيها د.محمود علم الدين واسامة سرايا ومحمود صلاح وعاصم القرش. اما دفعة 1976 فكان ابرز رموزها حمدين صباحى وعماد الدين أديب وعبدالله السناوي و د.ليلي عبدالمجيد ود.نجوي كامل وعمرو عبدالسميع وسمير غريب وعلي هاشم.
وحينما التحقت بالكلية فى خريف ١٩٨٢، كان مجموع طلبة الدفعة الأولى أقل من ٣٠٠ طالب وطالبة، وكنا ضيوف بالدور الرابع بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ثم انتقلت الكلية بعد سنوات لمبناها الحالى بجوار كلية دار العلوم.وقتها لم يكن هناك كليات أخرى، باستثناء قسم الصحافة بأداب سوهاج وتخرج منه عام 1986 خيرى رمضان وجمال عبدالرحيم.
دفعة ١٩٨٦، التى ما تزال الأبرز بين خريجى هذه الكلية حتى الآن وضمت من بين كثيرين ياسر رزق وعمرو أديب ومجدى الجلاد ويسرى فودة وطارق الشامى وحمدى رزق ومجدى شندى وجميلة إسماعيل ودينا عبدالفتاح وعادل السنهورى وايمن الشيوي. وفى الدفعة التى تلتنا عام ١٩٨٧ كان أبرز خريجيها إبراهيم عيسى ومحمد السيد صالح ود. احمد محمود ومحمد الغيطى والمرحوم عبدالله كمال.
حينما تخرجنا لم تكن هناك إلا الصحف القومية الثلاث الأخبار والأهرام والجمهورية وبعض المجلات الأسبوعية وصحف حزبية. إضافة للتليفزيون الرسمى.
الانفتاح الكبير كان مع إنشاء الصحف والفضائيات الخاصة فى السنوات الأولى من الألفية الجديدة، وتزامن ذلك مع تأسيس العديد من الفضائيات العربية.
لكن الانفجار الكبير حدث بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ مباشرة، حيث صدرت عشرات الصحف، وتأسست عشرات الفضائيات. ومع مناخ حريات غير مسبوق إعلاميا، وضمور الأحزاب السياسة، صارت مهنة الصحفى والإعلامى حلم الكثيرين، وهكذا لم تكن صدفة أن يكون هناك قسم إعلام أو أكثر فى غالبية الجامعات المصرية. وبالتالى وجدنا الآلاف من خريجى معاهد وكليات الإعلام، وصار الجميع يحلم بأن يكون رئيسا للتحرير، أو مقدما لبرنامج السهرة الرئيسى فى الفضائيات الكبرى.
ظل صعود الإعلام مستمرا مع ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لكن فى الفترة الأخيرة عاشت وسائل الإعلام أزمة اقتصادية طاحنة، ومن سوء الحظ أنها كانت مصحوبة بتراجع فادح فى الإعلانات، وتناقص أفدح فى المحتوى والتنوع، والنتيجة أن الصناعة نفسها صارت تعيش أسوأ فتراتها. والحصيلة أن معظم وسائل الإعلام لجأت إلى التقشف بأنواعه المختلفة من الاستغناء عن العاملين إلى تقليل عدد الصفحات ومدة البرامج الحية. والنتيجة النهائية لهذه الأزمة هى الاستغناء عن آلاف العاملين بالمهنة.
هل هذه الأزمة سوف تستمر؟! الله أعلم، وبالطبع نتمنى أن تنفرج قريبا، لكن المؤكد أن المناخ الحالى ليس مشجعا على التحاق المزيد من الطلاب بكليات وأقسام الإعلام المختلفة، ففرص العمل فى هذا القطاع تقل ولا تزيد.
لم أقل كل هذا الكلام تفصيلا لصديقى بقريتنا فى الصعيد، لكن وجدتها فرصة لكى يصل إلى كل من يفكر فى الالتحاق بكليات الإعلام فى الفترة المقبلة. ليس هذا كلاما لإصابة هؤلاء باليأس والإحباط، لكن حتى لا يندهشوا إذا دخلوا هذه الكليات وتخرجوا منها، وفوجئوا بهذا الواقع الصعب.