فى عظة الجنازة على جثمان الأنبا ابيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار يوم الثلاثاء قبل الماضى، عمد البابا تواضروس إلى تعنيف بعض رهبان الدير بطريقة غير معهودة عنه جعلته يقول لهم علنا: «أخرجوا الانحراف بعيدا عن الرهبنة، وأنتم لا تتبعون أحدا بعينه، فأنتم رهبان القديس العظيم الأنبا مقار، ولا تتحدثوا للإعلام لأن الرهبنة موت عن العالم».
بعد هذه العظة والانفعال، أصدر البابا تواضروس ١٢ قرارا عقب انعقاد اجتماع لجنة الرهبنة وشئون الأديرة بالمجمع المقدس برئاسته، وحضور ١٩ من الآباء المطارنة والأساقفة رؤساء الأديرة وأعضاء اللجنة، إضافة إلى الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس.
القراءة المتأنية فى القرارات تعنى أن مقتل الأنبا ابيفانيوس، قد أوضح أن هناك حالة من الإهمال والفوضى، وربما التمرد فى بعض الأديرة، وأن هدفها هو إعادة الاعتبار لسلطة البابا وسلطة الكنيسة على الجميع، وفى مقدمتهم رهبان دير الأنبا مقار بوادى النطرون الذى ظل مثالا على التمرد على سلطة كتدرائية العباسية، خصوصا أثناء عهد البابا شنودة.
حينما يتم وقف الرهبنة أو قبول أخوة جدد فى جميع الأديرة الأرثوذكسية لمدة عام، فالمعنى، أن هناك خللا فى قواعد القبول والعضوية، وأنه حان الوقت لإعادة النظر فى هذه القواعد نحو مزيد من الانضباط.
هذا أولا، أما ثانيا فإنه حينما يتم تجريد من قام بإنشاء أديرة لم توافق عليها البطريركية، فالاستنتاج خطير، وهو أن هناك رهبانا أنشأوا أديرة من وراء ظهر البطريركية. والأقرب إلى الاحتمال أن هذه الفقرة مقصود بها الراهب القس يعقوب المقارى الذى تم «إخلاء سبيله» أو تجريده من منصبه الكنسى. والمعلومات المتداولة أنه أسس منفردا ديرا بوادى النطرون يحمل اسم «السيدة العذراء والقديس كاراس» وقام بجمع تبرعات كثيرة مكنته من بناء أجزاء كبيرة من الدير، ويقال إن البابا تواضروس حاول مرارا تقنين وضع الدير عدة مرات، لكن هذا الراهب رفض. ثم تطور الأمر لقيام تواضروس بكتابة العديد من المقالات وجه فيها العديد من الرسائل التحذيرية له، بل وقال فى ٢٠ يونيو ٢٠١٤ إن «الكنيسة سوف تقوم مستقبلا بالإعلان عن المخالفين لذلك لمنع خداع الناس والبسطاء والتستر، تحت مثل هذه المشروعات الخارجة عن مسئولية الكنيسة».
وفى ٣٠ يناير الماضى رد البابا على سؤال بشأن وجود هذا الدير قائلا: «لا يوجد دير معترف به بهذا الاسم».
ويرتبط بالبند السابق البند رقم ١١ فى القرارات حيث «يناشد جموع الأقباط بعدم الدخول فى معاملات مادية أو مشروعات مع الرهبان أو الراهبات وعدم تقديم أى تبرعات عينية أو مادية إلا من خلال رئاسة الدير أو من ينوب عنهم».
وفى الفقرة ب من القرار رقم ٨ جاء ما يلى: «كل من تورط فى أى تعاملات مالية أو مشروعات لم يكلفه بها الدير فإنه يعرض نفسه للمساءلة والتجريد من الرهبنة والكهنوت وإعلان ذلك رسميا».
والسؤال الذى يطرح نفسه: كيف استمر هذا التمرد كل هذا الوقت، بالصورة التى تجعل بعض الرهبان أقرب إلى المتمردين على البابا بل وعموم الكنيسة؟
تتضمن القرارات أيضا المزيد من الضبط والربط وإعادة الهيبة للرهبنة ومنع الاختلاط بين الرهبان والعلمانية، ومن الواضح أن حالة من الارتباك وربما الانفلات سادت فى الفترة الماضية، للدرجة التى تجعل البابا يقول فى أحد فقرات القرار رقم ٨ أن من يتواجد خارج الدير بدون مبرر وبدون إذن مسبق سوف يعرض نفسه للتجريد من الرهبنة، إضافة لعدم حضور الجنازات أو الأكاليل إلا بتكليف من رئيس الدير.
أما القرار الأخطر فكان إمهال الرهبان مهلة لمدة شهر لإغلاق أى صفحات أو حسابات على وسائل التواصل الاجتماعى، و«التخلى الطوعى عن هذه السلوكيات والتصرفات التى لا تليق بالحياة الرهبانية، وقبل اتخاذ الإجراءات الكنسية معهم».
منع الرهبان من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى يحتاج إلى نقاش موسع، لمناقشة إمكانية تطبيق ذلك، وهل صار بمقدور أى جهة سواء كانت الكنيسة أو الأزهر أو أى مؤسسة دينية لأى مذهب أو دين أن تتحكم فى جميع أعضائها؟!!.
لكن وفى كل الأحوال فسوف يتوقف التاريخ الكنسى طويلا ليتحدث عما كان سائدا قبل مقتل ابيفانيوس وما تم بعده!
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع