بقلم: عماد الدين حسين
بعض قطاعات المجتمع مصابة بحالة صعبة جدا من انفصام الشخصية أو «الشيزوفرينيا». هذا المرض الخطير، ظهر بقوة خلال مشكلة أو أزمة «مطربى المهرجانات» وقرار نقيب المهن الموسيقية الفنان هانى شاكر، بمنع ظهورهم قبل أسبوعين. وهذا المقال مكتوب قبل عشرة أيام، وتأخر نشره بسبب توالى الأحداث خصوصا وفاة الرئيس الأسبق حسنى مبارك والهلع العالمى بسبب فيروس كورونا.
قرار المنع الذى اتخذه شاكر لأن حسن شاكوش ومعه عمر كمال غنى أغنية «بنت الجيران» التى احتوت على عبارة «أشرب خمور وحشيش».
أتفق تماما مع غضبة نقابة المهن التمثيلية، وكل من تأذى من ذلك، على هذا الكلام الخارج، الذى ينبغى أن يكون التعامل معه بتطبيق القانون دائما، وليس بالمنع الإدارى.
أزمة شاكوش وأمثاله، كشفت لنا أن البعض ثار وهاج وماج ضد شاكوش ـ ولهم كل الحق فى ذلك ــ لكنهم أغمضوا عيونهم وسدوا آذانهم تماما عن العديد من الظوهر المماثلة لحسن شاكوش وحمو بيكا، وربما تكون أخطر بكثير من مطربى المهرجانات.
حينما يقبل المجتمع ويتعود على قيام العديد من الشخصيات العامة، بممارسة البذاءة والفحش علنا، وعبر العديد من الفضائيات الكبرى، فما هو الفارق بين هذه الشخصيات وبين ما يقال فى بعض أغانى المهرجانات؟!
من سوء الحظ أن هناك من يبرر لهذه الشخصيات بذاءتها، علما أن النتائج الخطيرة لمثل هذه الممارسات، سوف نتفاجأ بها قريبا جدا على الأجيال الجديدة، ووقتها سيدرك من سمحوا بهذا أو شجعوه أو لم يقاوموه، حجم المصيبة التى تسببوا فيها.
المجتمع أو جزء كبير منه هو الذى سمح وشجع العديد من نجوم الفن أن ينتهكوا العديد من قيم المجتمع. بعض هؤلاء تم الترحيب به وتدليله، بل ودعوته إلى حفلات رسمية، وبالتالى تم ترجمة ذلك، باعتباره اعترافا من بعض الجهات الرسمية به بهذا النوع المنحط من الفن. إذا لم تكن قادرا على إنتاج فن راق، فعلى الأقل لا تتورط فى الترويج للفن الهابط!
لم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تم التعامل بخشونة مع بعض النجوم الكبار فى السينما والمسرح والتليفزيون. والنتيجة أن مطربى وممثلى «قاع المجتمع» صاروا هم الأكثر تدليلا!!
حينما يتقبل المجتمع أو جزء منه، الطريقة الغريبة لحديث بعض الشخصيات العامة من سياسيين وأكاديميين وأساتذة جامعات ونواب برلمان ورؤساء أندية، بطريقة لا تختلف كثيرا عما يفعله بعض مطربى المهرجانات، فالمنطقى أن تتحول هذه الممارسات إلى عادة ثم إلى «اللغة الأصلية»!!
فى السنوات الأخيرة رأينا بعض الإعلاميين فى الصحف والفضائيات ينهشون أعراض العديد من الشخصيات العامة، ويوجهون إليهم سبا وشتما يعاقب عليه القانون. للأسف قطاعات لا بأس بها فى المجتمع تقبلت ذلك فى البداية، واعتبرته رجولة وجدعنة وأحيانا وطنية. هذه المأساة انتقلت إلى قطاعات جماهيرية، بمكن ملاحظتها من نوعية تعليقاتها على وسائل التواصل الاجتماعى.
هذه الوسائل لعبت دورا سلبيا جدا فى تفشى العديد من الظواهر، بل وتحويل «لغة الشوارع والغرز والملاهى» إلى لغة مقبولة لا يخجل منها كثيرون!
لا أسرد النماذج والحالات السابقة، كى ألتمس أى مبرر لمطربى المهرجانات الذين يرددون كلمات خارجة ومؤذية، بل لكى تكون بوصلتنا ومعاييرنا واحدة، وليست مزدوجة.
مرة أخرى رأيى أن هناك أكثر من ذوق فى المجتمع، ولا يمكن أن نضع الأوبرا أو الباليه فى مواجهة الفن الشعبى مثلا. كلاهما مهم ومطلوب وله جماهيره فى كل عصر.
الكلمات البذيئة كان يفترض منعها من البداية بالقانون. لكن الاعتقاد أن القرارات الإدارية ستفرض ذوقا واحدا أو تمنع ذوقا آخر، فهو وهم كبير.
الحاصل أن لدى معظمنا تعليما متخلفا إلى حد كبير، وثقافة معتلة وقيم متراجعة، وأخلاقيات وقيم شكلية وسطحية. ومنها أننا نتقبل بذاءات وسفالات بصورة شبه يومية من كثيرين يفترض أنهم نخبة، ثم ننتفض جميعا حينما يخطئ مطرب مهرجانات ويتكلم عن الحشيش والخمور!!
مرة أخرى علينا أن نسأل: لماذا تراجع ذوق المجتمع، وكيف وصلنا إلى هذه المرحلة، وكيف صارت معاييرنا مزدوجة، ومتى نتخلص من هذه الشيزوفرينيا؟!