كانت مصر فى حاجة ماسة إلى الليلة التى عاشتها مساء الجمعة الماضية.
فى ليلة افتتاح بطولة الأمم الإفريقية، استرجعنا لحظات سعيدة، كان فيها غالبية المصريين تقريبا على قلب شخص واحد، وعاد الجميع لبيوتهم سعداء.
فى الأيام الصعبة التى تمتلئ بالعديد من المشاكل والأزمات تحتاج الأمم والشعوب إلى لحظات فرح، حتى تعود إليها ثقتها فى نفسها، ويتمتع المواطنون بلحظات سعادة، تعينهم على الأيام الصعبة.
فى ليلة الجمعة، كان هناك إجماع على أن حفل افتتاح البطولة كان بسيطا ومعبرا وراقيا وحضاريا. وخلافا للعادة لم تقع أزمات أو مشاكل أو مطبات أو مقالب، مثل تلك التى تعودنا عليها فى بعض هذه المناسبات. سمعنا إشادات بالحفل من الجميع، خصوصا الاتحاد الإفريقى الذى قال فى بيان: «كان حفلا قصيرا ولكنه بسيط ورمزى ومذهل، استقطب أعين العالم، ويستحق الثناء من المسئولين عن كرة القدم فى جميع أنحاء العالم، ورغم أنه لم يزد على 20 دقيقة، فإنه كان كافيًا لجعل العالم يقف فى حيرة وتقدير للثقافة الإفريقية والحضارة المصرية».
ليلة الجمعة السعيدة كانت لكل المصريين على اختلاف فئاتهم وميولهم واهتماماتهم وتوجهاتهم.. جمعهم فقط حب هذا البلد.
ليلة الجمعة شهدت عودة الجماهير، وخصوصا الأسر المصرية للملاعب، وتلك قصة مهمة ساعود إليها لاحقًا إن شاء الله.
أعرف بعض الأصدقاء الذين حرصوا على حضور حفل الافتتاح والمباراة، واصطحبوا أولادهم وأسرهم أو أصدقاءهم، وتحمَّلوا الكثير لاستخراج «بطاقة المشجع» والبحث عن تذاكر، فى ظل الإقبال الكبير عليها.
صديق عزيز استخرج بطاقة المشجع له ولابنه وبنته، لكن بطاقة زوجته تأخرت، فذهبت الأسرة من دونها. صديق آخر، حدث معه نفس الأمر، حيث تأخرت بطاقة الزوجة، وحينما صدرت لم يجد لها تذكرة فى الدرجة الأولى نفسها، فجلست فى الدرجة الثانية، استجابة للتعليمات الصارمة بعدم تغييرالمكان. صديق ثالث حضر الافتتاح بصحبة أسرته، وهو معارض كبير للحكومة، فقلت له: كيف كان الحال؟! قال: «التنظيم كان جيدا جدا، والأجواء إيجابية، وسعدت أن أولادى حضروا الافتتاح، وعدت مبسوطا لبيتى».
صديق آخر مختلف مع الحكومة فى كل شىء تقريبا، اصطحب أسرته أيضا. هاتفته أثناء المباراة فكان سعيدا للغاية.
الناقد الكبير حسن المستكاوى، وهو أفضل من يكتب فى النقد الرياضى من وجهة نظرى، ويتميز بموضوعية يندر وجودها هذه الأيام، كتب على صفحته بالفيسبوك قبل نهاية المباراة يقول: «الله الله الله وكمان الله... أجمل افتتاح فى تاريخ البطولات والرياضة المصرية على الإطلاق.. برافو برافو.. مكنتش قادر أنتظر للنهاية، مبروك هذا الإبهار.. تحيا مصر».
ما كتبه المستكاوى وجدته بعبارات وكلمات مختلفة على صفحات العديد من الزملاء والأصدقاء، منذ نهاية مباراة الافتتاح وحتى ظهر أمس السبت.
كان الشعب فى أشد الحاجة لمثل هذه الليلة المفرحة؛ حتى ينسى العديد من المشاكل الحياتية، التى يواجهها.
فى هذا اليوم اجتمع الجميع على حب مصر وتشجيع فريقها، والاستمتاع بالحدث. ذهب إلى استاد القاهرة بعد غياب طويل الغنى والفقير، المؤيد للحكومة والمعارض لها، الوزير والفقير، الرجال والنساء والأطفال، ورأينا مشهدا حضاريا بعد نهاية المبارة، وهو قيام بعض الشباب من تلقاء أنفسهم بتنظيف مقاعد الاستاد.
فى هذه الليلة شهدت الشوط الأول من المباراة فى منزل حماتى بميدان عابدين. الأسرة بأكملها على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها جلست أمام شاشة التايم سبورت، وشاهدت المباراة، وتفاعلت مع كل هجمة للفريق القومى، ووضعت أيديها على قلوبها أثناء أى هجمة لفريق زيمبابوى، ثم هلل الجميع ورقصوا فرحا لهدف محمود حسن تريزيجيه.
نزلت بين الشوطين كى ألحق مشاهدة الشوط الثانى فى منزلى. مررت بالعديد من شوارع منطقة وسط البلد، كانت جميعها شبه خالية، وغالبية الناس إما فى بيوتهم أو فى المقاهى والكافيهات لمشاهدة المباراة.
نجاح حفل الافتتاح، من دون أى مشاكل، يعنى أننا قادرون على النجاح، طالما أننا أوكلنا الأمر لأهله، وأعطينا العيش لخبازه، واعتمدنا على الخبراء والمؤهلين كل فى مجاله. وهذا درس مهم علينا أن نصرَّ على تطبيقه فى كل المجالات.
لو فعلنا ذلك، فسنجد النجاح فى العديد من القطاعات والميادين.. نجاح افتتاح البطولة الإفريقية يعنى أن هناك قدرة على النجاح طالما تم تطبيق شروطه وقواعده.
شكرًا لجميع من ساهم فى إنجاح هذه الليلة من أصغر مشجع وعامل إلى رئيس الجمهورية.