بقلم: عماد الدين حسين
«للتاريخ، أذكر بأننى كنت على موعد مع الشهيد قاسم سليمانى فى الساعة الثامنة والنصف من صباح يوم استشهاده، وكان من المقرر أن يحمل لى رسالة من الجانب الإيرانى، ردا على الرسالة السعودية، التى أوصلناها، للجانب الإيرانى، للوصول إلى اتفاقيات وانفراجات مهمة فى الأوضاع بالعراق والمنطقة».
الفقرة السابقة بأكملها، جاءت على لسان رئيس الوزراء العراقى عادل عبدالمهدى، خلال كلمته فى افتتاح الجلسة الطارئة للبرلمان العراقى صباح يوم الأحد قبل الماضى، والتى صوت فيها البرلمان على قرار يلزم الحكومة بالعمل على إنهاء تواجد قوات التحالف الدولى، وأى قوات أجنبية فى الأراضى العراقية، على خلفية قيام الولايات المتحدة باغتيال قائد فيلق القدس فى الحرس الثورى الإيرانى قاسم سليمانى وبعض قادة «الحشد الشعبى» العراقى وفى مقدمتهم أبومهدى المهندس.
لا أعرف لماذا لم يتوقف كثيرون عند الكلام المهم جدا الذى قاله عادل عبدالمهدى عن الوساطة بين السعودية وإيران، وأن هناك تبادلا للرسائل على هذا المستوى الرفيع؟!
فى تقديرى أن هذا تطور مهم جدا وعودة إلى التفكير الصحيح، ليس فقط للسعودية أو لإيران، ولكن لكل المنطقة، ولو استمر ووصل إلى نتيجة إيجابية فسوف يكون الخاسر الأكبر من وراءه هو إسرائيل، وكل القوى المتربصة بالمنطقة وبالعرب وبالمسلمين.
من الواضح أن الحكومة العراقية تبذل جهدا مهما فى هذا الملف منذ شهور طويلة، بل وربما أثناء وجود حكومة حيدر العبادى السابقة. الحكومة الحالية تتمتع بعلاقات متشعبة مع إيران، شأنها شأن كل الحكومات العراقية منذ عام ٢٠٠٣، وصارت أكثر انفتاحا عى بقية الدول العربية، خصوصا الكويت والسعودية والإمارات ومصر والأردن فى الفترات الأخيرة، وهو توجه طيب ومحمود، ويصب فى مصلحة كل البلدان العربية، ويبطل العديد من المؤامرات الخارجية ضد العرب.
كل من لديه عقل يدرك أن التصعيد بين السعودية وإيران أو بين الخليج وإيران، لا يستفيد منه إلا أعداء الدولتين والعرب والمسلمين.
لكن وحتى نكون موضوعيين ومنطقيين، فالمشكلة ليست فقط فى المؤامرة الخارجية، والشياطين المختلفة، الصغير منها والكبير، لكن هناك مشكلة حقيقية لدى الجانبين، حيث يعتقد كل طرف أنه قادر على إلحاق الهزيمة الشاملة والماحقة بالطرف الآخر، وهو أمر مستحيل فى عالم السياسة، وفى أى عالم آخر تقريبا.
الدول العربية الخليجية، تشعر أن إيران تريد زعزعة استقرارها، واستخدام الورقة المذهبية الشيعية سلاحا فى يدها للسيطرة والهيمنة. ويساعد على ذلك تباهى العديد من المسئولين الإيرانيين، بأنهم يسيطرون على القرار فى العديد من الدول العربية مثل العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبالتالى اضطر بعض هؤلاء إلى الاستعانة بـ«الشيطان الحقيقى» وهو الكيان الصهيونى، كى يحتمى به من إيران، بعد أن ألمح «الشيطان الأكبر» بالمفهوم الإيرانى، وهو الولايات المتحدة، إلى التفكير فى مغادرة المنطقة بأكملها، والتوجه إلى جنوب شرق آسيا، حيث المال والأعمال والمستقبل المزدهر، وليس الصراعات الطائفية والمذهبية والقومية.
وإيران تشعر بأن دول الخليج تقوم بدور «مخلب القط» لمحاصرتها لمصلحة القوى الاستعمارية المختلفة، وأنها تشارك فى هذا الحصار منذ قيام الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩.
الهواجس كثيرة، والجميع أخطأ، لكن الاستمرار فى نفس «الحلقة الجهنمية» لن يفيد أحد إلا أعداء الجانبين.
على كل طرف أن يؤمن بأنه لن يلغى الثانى من الوجود وأن استخدام لعبة المذهب أو العرق لن تفيد أحدا. والصراع السنى الشيعى مستمر منذ عام ٣٨ هجرية، ولن ينتهى تقريبا إلا بقيام الساعة، وبالتالى فلا فائدة من تأجيجه إلا إذا كان الطرفان مجانين.
فى تقديرى أن أحد أسباب استهداف قاسم سليمانى كان مصلحة أمريكية إسرائيلية مشتركة، وبدعم من أطراف عربية لإفساد أى تقارب بين السعودية وإيران. كثيرون كانوا يطلبون رأس سليمانى لأسباب متنوعة، لكن ما كشف عنه عادل عبدالمهدى، يقول لنا إن القوى الكبرى لا تريد للعرب وإيران أن يتقاربا بأى شكل من الأشكال، وأن يستمر الصراع حتى تجد إسرائيل وظيفة مهمة لها، وحتى تستمر أمريكا والغرب فى استنزاف قدرات الطرفين فى العديد من المواقع من اليمن إلى لبنان مرورا بالعراق وسوريا وأى بقعة أخرى. والسؤال هل يجرب الطرفان التفكير بالعقل وبمصلحة شعوبهم، حتى يكتشفوا ويدركوا أنهم يحققون فقط مصلحة أعدائهم!!